قرأت لك (ثورة فيها ريح النبوة)؛ والحق أنها ثورة مباركة أنعشت لمصر من الآمال ما أذواه العهد البغيض؛ ولكنك يا سيدي اختتمتها بثورتك على الأحزاب والنواب ومهازل الزعامة.
ولما كان لرأيك قدره عندي فهل يا ترى أفهم من كلامك أنك تقر حكم الفرد وأنت الذي فتح باب رسالته على مصراعيه للرأي والمشورة؟ لا تظلم الأحزاب يا سيدي ولا النواب، فمنهم من يزكيهم الله. وإذا أخذنا عليهم بعض الأوزار فوزرهم في عنق من وطد للفساد أركانه. أدع إلى الشورى يا سيدي ولا تيأس؛ فقد ذهب الفساد وعهده ولم يبق إلا الإصلاح فلرأيك قيمته وقدره).
وجوابي عن رسالة السيد الفاضل، أني لا أومن بحكم على نظام معين. وإنما أومن بأي حكم يقوم بنيانه على الشورى، وينبسط سلطانه على العدل. وليس للشورى نظام واحد لا يجوز غيره، ولا للعدالة منهج واحد لا يؤدي سواه. يجوز أن تصدق الشورى على لسان بكانة أو وزارة أو ندوه، كما يجوز أن تتحقق العدالة على إمام أو ملك أو رئيس. إن العبرة بالمعنى لا باللفظ، وبالروح لا بالنص، وبالفكرة لا بالصورة. كان على يستشير، وكان معاوية يستشير؛ ولكن ابن أبي طالب كان يستشير أهل الذكر من صحابة الرسول، وابن أبي سفيان كان يستشير أهل المكر من بطانة الملك. وكان عمر بن عبد العزيز يعدل ويظن لتقواه أنه يجور. وكان الحاكم بأمر الله يظلم ويظن لفجوره أنه يعدل.
إئتنا بمستبد كعمر أو بمشاور كالرشيد، نلق إليه مقاليد الحكم ثم نعيش في ظلاله حكمه بنفسه، أو حكمه بغيره، كما يعيش البنون في كنف الأب، أو المؤمنون في ظلال الله.
أما أن ننقل النظام البرلماني الأوربي من ورق باللغة الإفرنجية، على ورق باللغة العربية، ثم نطبقه على أمة ليس لها رأي عام ولا وعي تام ولا إرادة حرة، فذلك عبث لا ينشأ عنه إلا ملك يقول أنا الدولة وهو كومة من القذر، وبطانة تقول أنا القصر وهي مجموعة من الفحش، ووزارة تقول أنا الحكومة وهي عصبة من السماسرة، وأحزاب يقولون نحن الأمة وهم مناسر من اللصوص، ونواب يقولون نحن الشعب وهم جماعة من المرتزقة؛ ثم