تقع قرية دير ياسين البالغ عدد سكانها (٧٠٠) نسمة، غربي بيت المقدس، بين المستعمرات اليهودية، وكانت تعيش مع اليهود على أحسن ما تكون الصداقة، ولم يعتد أحد من سكانها على أحد من اليهود.
ويوم كانت البلاد تشيع ابنها البار، وبطلها العظيم، الشهيد عبد القادر الحسيني، بطل القسطل، إلى متواه الأخير، انقضت جموع غفيرة من اليهود المسلحين على تلك القرية وأمعنت في السكان الأمنين قتلا وذبحاً: فبلغ عدد القتلى (٢٥٠) قتيلا. وكان من بينهم (٢٥) امرأة حاملا، (٥٠) امرأة مرضعا، و (٦٠) امرأة أو فتاة ذبحن ذبح الخراف في أفظع مظاهر القسوة. ثم جمعوا (١٥٠) امرأة وبعد أن مزقوا ملابسهن، واعتدوا عليهن، أركبوهن سيارات مكشوفة، وطافوا بهن الأحياء اليهودية. وكان الجمهور الصهيوني المتمدن المهذب يرجمهن بالحجارة ويبصق عليهن، ويشتم دينهن، ونبيهن؛ والجلادون واقفون فوق رؤوسهن، يتباهون بهذه البطولة، والجمهور يهتف لهم، ويطيل التصفيق، حتى إذا ما أتعبهم الطواف بهن، أوصلوهن إلى طرف الأحياء العربية، وأخذوا يقذفونهن إلى الأرض، ويطلقون الرصاص فوق رؤرسهن كبرا وجبروتاً وإرهاباً!
والذي يتراءى أن الباعث النفسي الذي يحرك هؤلاء الناس، إلى أعمال وحشية من هذا النوع، لا يعود في أصله إلى وطنية صحيحة، ورغبة صادقة في العيش بسلام في جزء من الأرض، وإنما يعود إلى شعور هذه الطائفة، أفراداً وجماعات، بالعجز والجبن، والبعد عن الرجولة والشجاعة، لأن الرجل الشجاع لا يستبيح لنفسه أن يقتل طفلا أو امرأة في مثل هذه السهولة، ثم يتباهى بما عمل من بطولة، وبما صنع من معجزات.
والتاريخ الحافل بالاضطهاد الذي ذاق مرارته اليهود، في الزمن البعيد والقريب، كان كافياً ليترك في أعماق نفوسهم ثورة جامحة مدمرة، على أي عما يقترف على أيديهم، أو بسبهم، يتصل بالأساليب التي اضطهدوا بها، لو كانت لهم ضمائر تتمشى فيها الكرامة والإنسانية.
والذي ينشد الحرية والاستقلال لا يطلبهما عن طريق محاربة استقلال الآخرين وحريتهم.