تقترن بفكرة النبوة فكرة الوحي - فما من نبي إلا وهو يوحي إليه، وما من نبي إلا وهو يستلهم الله أسرار الملكوت.
ولقد جاءت نصوص الكتب السماوية مؤيدة لذلك ومؤكدة له، غير أن فلاسفة الإسلام لم يقنعوا بمجرد التسليم بالمنقول، بل أرادوا - كدأبهم - أن يفسروا المنقول بالمعقول وأن يدللوا بمنطق العقل على منطق الوجدان؛ فتمخضت عن ذلك نظرية النبوة. . . ومن قبلها نظرية الألوهية؛ نقول (من قبلها) لأن إبداع نظرية للنبوة، يستوجب حتماً بحث فكرة الله باعث الأنبياء والرسل، والكلام في الموحى إليه يستلزم بالضرورة الكلام - بداءة - في الموحي الذي أوحى!
ولقد نظر فلاسفة الإسلام فوجدوا أن (أر سطو طاليس) يتعثر في هذه السبيل تعثراً ملحوظاً. والظاهر أنه شغل بدراساته في الأخلاق والنظم عن حل عقدة الخالق الأعظم موجد الوجود وبارئ الكون - ففضلاً عن أنها تردد بين الوحدة والتعدد مرات، فإنا نراه يصور (المحرك الأول) تصويراً يتنافى مع النظرة الدينية الإسلامية. حقاً لقد أجاد (أر سطو) تعليل الحركة، فبين أن كل متحرك يتحرك بشيء آخر، وأن الكائنات الحية المتحركة بذاتها في الظاهر، يختلف المحرك فيها عن المتحرك من حيث أنها مؤلفة من جملة وظائف تحرك الواحدة منها الأخرى. . . إلا أنه عندما انتهى إلى فكرة (المحرك الأول) تخبط تخبطاً كبيراً، فهو يقول عنه إنه (المحرك الساكن) أو المحرك اسماً لا فعلاً - يعني بذلك أن الله - جل شأنه - لا يحفل شئون الكون ولا يسيره بإرادته، وكل صلة الكون به أنه يتجه إليه في حركته ويستهدفه كغاية.!.
ولقد قال (أر سطو) أيضاً بسرمدية المادة. . . فكيف يتفق ذلك وما جاء بالقرآن من أن الله خالق المادة (فاطر السماوات والأرض)؟
. . . لذلك لم يتردد فلاسفة الإسلام في القول بخلق المادة وإن سلموا مع (أر سطو) بقدمها؛ وقد أدى بهم الاشتغال بهذا الموضوع إلى ابتداع نظرية تعرف بنظرية العقول العشرة. ومن خلال هذه النظرية نستشف تصويراً فلسفياً لفكرة الوحي والإلهام تنجلي به الصلة بين