للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كيف نبعث الأدب]

وكيف نترواه للأستاذ عبد العزيز البشري

تتمة

أين أدبنا الصريح؟

لقد تعرف أن الأدب الحق لكل أمة هو الذي يشاكل حضارتها، ويكافئ ثقاتها، ويواتيها في جميع أسبابها، ويترجم في صدق ويسر عن عواطفها، وينفض ما يعتلج في الصدور من ألوان الشعور والإحساس. ولقد تعرف أن الأمم كما تختلف في ألوانها وفي ألسنتها وفي أخلاقها وعاداتها وغير أولئك، فإنها تختلف كذلك في شعورها وفي أذواقها ومنازع عواطفها. ومهما تختلف في أفراد الأمة الواحدة هذه العواطف بالقوة والضعف، والرقة والجفاء، وغير ذلك من وجوه الاختلاف، فإنها ترجع إلى اصل واحد، وتندرج تحت جنس واحد، على تعبير أصحاب المنطق، وذلك لأنها أثر من أثار الإرث، والبيئة، والعادة، والتاريخ، وما يتردد عليه النظر من صور الطبيعة، وغير ذلك. كما أن لنوع الثقافة ومبلغ حظ الأمة منها أثره البعيد أو القريب في هذا الباب

ومهما يكن من شيء فان لون العواطف الشائع في كل أمة ليس بالشيء الذي يستعار استعارة، ولا بالذي تتناقله الأمم كما تتناقل العلوم وفنون الصناعات مثلا. وكيف له بهذا وقد رأيت أن أبلغ عناصره مما لا يدرك بالكسب ولا بالاختيار، إن هو إلا حكم الطبيعة وما من حكم الطبيعة مناص!

وأحسب أننا، بعد التسليم بهذا، في غير حاجة إلى أن نبعث الأدلة على أن ما يترجم عن عواطف قوم ويصور من حسهم الباطن قد لا يؤدي هذا لغيرهم، وأن ما يستقيم من البيان لأذواق خلق من الناس لقد ينشز على أذواق معشر آخرين. على أنه قد تشترك العاطفة والذوق كلاهما في معنى من المعاني وحينئذ يصدق البيان

وعلى هذا فانه مهما نسرف في مطالعة أدب الغرب والتروي منه، ومهما نجهد في محاكاته وتقليده، فانه لن يكون لنا أدباً في يوم من الأيام، اللهم إلا أن تنقلب أوضاع الطبيعة، فان الأمم لا تطبع على غرار الآداب، بل إن الآداب لهى التي تطبع على غرار الأمم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>