كان من النتائج المباشرة للحرب العالمية الكبرى بعد أن مارست الأمم الكفاح أربع سنوات أن شعرت الطبقات الشعبية بأنها هي التي قامت بالدفاع، وأنها هي التي كانت تساق إلى ميادين القتال سوقاً، وأن غرم الحرب من الأنفس كان منها ومن الأموال كان مما تدفعه للدولة. شعرت بهذا فشعرت بأن لها الحق في قيادة الأمة في حال السلم والسيطرة على شئونها لأنها وحدها هي التي تنال أذى الحرب وتتحمل خسائرها فمن العدل أن تقودها
قوي هذا الشعور فأصبح مبدأ، وازداد هذا المبدأ تغلغلا في النفوس حتى تحول إلى سياسة عملية، قوامها نصرة الطبقات الشعبية وتمكنها من قيادة دفة الأمور، ولكن في صورة غير مألوفة من قبل
هذه السياسة العملية صحبها انقلاب رئيسي في نظام الحكومات نشأ عنه نوعان من الحكم الشيوعي والفاشستي، يتفقان في ادعاء الديمقراطية وهي تمكين الشعب من حكم نفسه تمكيناً عملياً، ويختلفان في الأسلوب تبعاً لاختلاف العوامل الاجتماعية الأخرى والغاية التي يقصد إليها
الديمقراطية الشيوعية
فالنوع الشيوعي تغالي في المعنى الشعبي وزاد في تقديسه، أو هو أساء في الواقع فهم المنزلة الشعبية؛ وتبع تلك المغالاة العداء للطبقة الأرستقراطية وازدياد السخط على الفرد الممتاز أو السيد الحاكم بأمره. وكانت نتيجة سياسته العملية ذات شقين، أولا إبعاد ذلك الفرد الممتاز عن الحكم، واضطهاد الطبقة الأرستقراطية؛ وبعبارة أوسع الطبقة التي كانت تبيح لنفسها، إما اعتماداً على ما لها من شرف أو لما في يدها من مال، أن تتزعم الطبقات الأخرى الفقيرة والمتوسطة. وثانياً رفع الشعب إلى منصة الحكم
ولكن لم يكد الشعب صاحب هذا النظام يتولى تنفيذ التقويض من جهة والرفع من جهة أخرى حتى اصطدم بالحقيقة الواقعة، وشعر بأن زوال الرأسمالية التي ترى فيها النظرية الشيوعية السعادة المتوهمة لكل أفراد الشعب، وتولي الدولة للشئون الاقتصادية وتوزيع العمل والإنتاج على الطبقات المختلفة تحقيقاً لمساواة صورية، عمل يضاد العدالة المبتغاة،