ترتيب آيات الكتاب العزيز حصل بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه عليه، على ذلك انعقد الإجماع، فكان الرسول إذا نزلت عليه الآية وتلقاها من جبريل الأمين لقنها أصحابه فوعتها صدور الحفظة منهم، وأمرهم بأن تكون مع آية كذا من السورة التي تكون فيها الآية، وإن كان ذلك على خلاف ترتيبها في النزول. وعلى أساس هذا الترتيب الذي أرشد إليه الرسول قام بناء نظم القرآن المعجز، وأحكمت آياته، وتوثقت معانيه واتسقت كلماته.
وأما ترتيب السور فيرى كثير من العلماء أنه توقيفي كترتيب الآيات وقال آخرون إنه عن اجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم. وسوى أكان الترتيب بين السور بتوقيف من الرسول أم كان عن اجتهاد من الأصحاب، فمما لا شك فيه أن اتفاق جمهور الصحابة على هذا الترتيب المعروف الذي عليه المصحف العثماني أمر له قيمته ومعناه، وليس يخفى على ذوي البصائر من أهل العلم والذوق سره ومغزاه، وإن لم يكن على حسب ترتيب السور في النزول؛ فالترتيب بين السور كالترتيب بين الآيات ليس مبنيا على ترتيبها في النزول ولكنه قائم على ما بينها من الروابط والمناسبات.
وإدراك ما بين الآيات وما بين السور من صلة ومن مناسبات يحتاج إلى علم جم، وطبع ملهم، وشعور مرهف، وبذلك اختلفت أنظار العلماء وتفاوتت مداركهم. ولقد كان للأستاذ الإمام القدح المعلي والسبق في هذا الميدان، يعرف ذلك بالإطلاع على تفسيره جزء (عم).
أسوق هذا لمناسبة ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله السمان في الرسالة - عدد ١٨ إبريل - ردا لما قرره الأستاذ الإمام في تفسيره (جزء عم) من بيان المناسبة بين سورة (الليل) وسورة (الشمس)، إذ اختلط الأمر على الكاتب والتبست عليه المناسبة بين السورتين والمناسبة بين القسم والمقسم عليه في (سورة الليل) فقال ما نصه:
(جاء في تفسير جزء عم للأستاذ الإمام - رحمه الله - عند تفسير أول سورة الليل ما يأتي (والليل إذ يغشى) يبتدئ في هذه السورة بأن يقسم بالليل وهو الظلمة لأنها الأنسب بما ختمت به السورة السابقة - سورة الشمس - من الدمدمة وإطباق العذاب. . اه (ولم يذكر