إن من يقرأ الرسالة في مصر من الأَمصار النائية، أو في عصر من الإعصار الآتية، يحسبها تصدر أو كانت تصدر في بلد ليس فيه نساء. والرسالة كما نعتقد تسجل ظواهر النهضة المصرية، وتصور مظاهر العبقرية العربية؛ فهل خلوها من أثر المرأة معناه أن المرأة لا تزال بمعزل عن نهضة الفكر في مصر، وحركة الأدب في الشرق؟
وهذا السؤال نفسه ألقاه علي أكثر من تحدثوا إلي في الرسالة أو في المرأة أو في الأدب. والجواب عنه ميسور على من عرف كيف نربي البنت ونثقف الأم ونؤلف الأسرة. فنصفنا الجميل الشاعر كما يعبرون اليوم لا تزال كثرته الفاحشة على جهالة الأمية وسذاجة الفطرة. أما قِلَّته الضئيلة فبين طبقة علمتها المدارس المصرية تعليماً فجاً لا يمهد للعقل طرائق المعرفة، ولا يكشف للنفس آفاق الحياة، فعلمها محدود بالتعليم الأولي أو التمريض العملي، وأدبها واقف عند قراءة المجلة الخفيفة وكتابة الرسالة العادية؛ وبين طبقة ثقفتها المدارس الأجنبية فهي غزيرة الأدب صحيحة الفكر سليمة الذوق لطيفة الحديث، ولكنها لا تعلم من لغتها وأدبها غير القشور، ولا تعرف عن يدنها وتاريخها غير الشُّبه، ولا تجد في مكتبتها مؤلفاً شرقياً، ولا ترى على مكتبها ريشة عربية. وقد كتبت إلي آنسة من هذه الطبقة كتاباً بالفرنسية، فلمتها على أن تُقحم هذا اللسان الغريب بين لسانين عربيين، فردت عليّ بذلك اللسان نفسه تقول ما ترجمته:
(لو كنت كتبت إليك بعربيتي لحسبتني طفلة تجمجم بالكلام ولا تبين؛ ويكون من وراء ذلك أنك لا تفهمني ولا تفهم عني. فكتبت إليك بالفرنسية لأن الإنسان يميل بطبعه إلى جهة القدرة لا إلى جهة العجز، ويؤثر بغريزته جانب الكمال على جانب النقص. ولئن تعرضت بذلك إلى غضبك، لقد نجوت ولله الحمد من سخرك؛ وسخطك عليّ أحب إلى كرامتي من استخفافك بي)
فالطبقة الواقفة على الأعراف بين الجهل والعلم لا تستطيع بنصيبها الأخس من الثقافة أن تسُبر عقل الرجل ولا أن تصور قلب المرأة؛ فمثلها مثل الجمهور الأوسط من سواد الشعب يعلو على العامة بمتاع جسمه، ويسفل عن الخاصة بغباء ذهنه. والطبقة القائمة على البرزخ بين الشرق والغرب لا تستطيع كتلك أن تساهم في الأدب العربي بشعاع من الروح