أشارت (الرسالة) في عددها الماضي إلى كلمة أسف وعتاب مُر كتبتها إحدى الزميلات الدمشقيات لمناسبة وفاة شيخ العروبة المغفور له احمد زكي باشا، تشكو فيها من طغيان السياسة على الأدب في مصر، وتنعى علينا تقصيرنا في حق العظماء الراحلين من أدبائنا ومفكرينا، وتلاحظ أن العلامة الراحل لم يشيع إلى مقره الأخير بما يجب لعلمه وأدبه وخدماته للإسلام والعرب، من التجلة والاهتمام؛ هذا بينما تغمر ذكرى بعض الراحلين من رجال السياسة بمظاهر الإجلال الشامل، وتفرد لها في الصحف عشرات الفصول الرنانة، ويحتفى بها أيما احتفاء.
ونعود فنعقب على ما كتبته الرسالة بأن ملاحظة الزميلة الدمشقية جديرة بكثير من التأمل، وفيما تنعيه علينا كثير من الحق. فنحن نشعر منذ أعوام طويلة بطغيان الاعتبارات السياسية على كثير من مظاهر حياتنا العامة والخاصة، ونشعر بما تجنيه هذه الاعتبارات على كرامة التفكير والأدب. وقد ظهر هذا الأثر في مواطن ما زالت تثير في نفوسنا كثيراً من الأسى والألم. ففي مثل هذا الوقت منذ عامين، توفي شاعر مصر الكبير المغفور له حافظ إبراهيم، فكان حقاً لعظمته وعبقريته أن يكون جنازه حادثاً قومياً عظيماً تشترك فيه الأمة كلها شعباً وحكومة؛ ولكن حافظاً شيع إلى قبره في حشد متواضع من الأصدقاء والمعجبين، وحالت الاعتبارات السياسية دون أن يسبغ على جنازه أية صفة رسمية أو قومية، ولم يقم لذكراه أي حفل تأبين لائق. وكان لهذا الإغفال المؤلم صداه يومئذ، فألفت لجنة من بعض الكبراء والأدباء أصدقاء حافظ لتستدرك هذا التقصير المعيب في حقه، ولتقوم بما يجب لتخليد ذكراه؛ ولكن هذه اللجنة لم توفق للأسف إلى القيام في هذا السبيل بعمل يذكر؛ ولم تبد دوائر الأدب من جانبها أي اهتمام بحافظ وتراثه، ولا زالت ذكرى الشاعر العظيم نسياً منسياً.
وثمة حادث آخر ظهر فيه طغيان هذا التيار السيئ، هو أنه لما أرادت الحكومة أن تكرم ذكرى أمير الشعراء المغفور له احمد شوقي بك في حفل رسمي دعت إليه ممثلي الأقطار العربية الشقيقة، لم تفكر في زميله وقرينه حافظ؛ ولو أنها أرادت أن تكرم ذكرى الشعر للشعر والأدب للأدب ولم تبد مثل هذه التفرقة بين رجلين اشتركا في حمل زعامة الشعر العربي زهاء ربع قرن، وساهما في مجد مصر الأدبي بقسطين متعادلين لكان عملها جديراً