منذ أربعين سنة كان الناس يظنون أن الحروب الدولية هي الطريق الطبيعي الذي يدل عليه المنطق وتستحث إليه البطولة في فض المنازعات. فإذا قتلت إنساناً - وكثيراً ما يحدث هذا - فأنت تقتل شخصاً أجنبياً عنك. أما الحروب الأهلية، فقد كانت من الأعمال الممقوتة، لأن القتل في هذه الحروب كان بمثابة قتل الإنسان لأخيه؛ فكانوا يعدونه خروجاً عن حدود الطبيعة لا يصح أن يقترف على وجه الإطلاق.
وقد كنت مخالفاً لهذه الفكرة منذ عدة سنين. فلم أعتقد في ذلك الحب الأخوي المزعوم، ولم أظن في يوم من الأيام أن الإنجليزي أحق بالحب من الفرنسي، أو الألماني، أو الأمريكي. إن الإنسان حر في أن يحب هذا أو يكره ذاك. ولكني أعتقد أن الحرب الأهلية أقل خروجاً بنا من الحدود الأخلاقية من الحرب الدولية لسببين:
السبب الأول: هو النضال في هذه الحرب لا يقوم لأجل انتزاع الأرض، أو الاستيلاء على المعادن، أو التهافت على السيادة وإنما يقوم على فكرة أو مبدأ.
والسبب الثاني: أن تلك الحرب، حرب شعبية، وثورة ضد الحكم السيئ، تترك فيها الحرية لرجل الشارع في اختيار الناحية التي يريد أن ينحاز أليها.
ويخيل إلي أن الحرب الحاضرة هي من نوع الحرب الأهلية فهي حرب مبادئ، هي ثورة يناضل فيها الألمان إلى جانبنا، أو نحن نناضل إلى جانبهم لمكافحة نوع من الحكم الذي لا يطاق
فليست هذه حرباً دولية، ليست حرباً بين حكومتين، ولكنها حرب بين نوعين من أنواع الحكومات، حرب بين الديمقراطية والدكتاتورية، أو بعبارة أخرى هي حرب بين الحرية والاستعباد
لقد كتب كثير من اللغو عن كلمة الحرية. وأنا أقرر هنا أن الحرية المطلقة أمر ليس في الإمكان. فأنا إذ أقول إنني حر في أن أكتب ما أشاء - هنا - فما لا أستطيع أن اكتبه في ألمانيا أو إيطاليا أو روسيا، لا يصح أن يقال لي أن الصحافة هنا في أيدي أصحاب رؤوس