- إنني يا سيدي غير سعيد لأنني لا أستطيع أن أرى ولدي وهب الرجل فنادى. . . فدخل غلام في نحو العاشرة مسرعاً إلى الرجل الذي يعيش معه على ظن أنه أبوه. . . ولكنه وقف فجأة حين انتبه إلى أن بالحجرة رجلاً غريباً. . .
وقبله أبوه قبلة كلها حنان وعطف. وقال له مشيراً:
- اذهب وقبل هذا السيد الجالس هناك. وسار الطفل نحو (السيد الجالس هناك) وديعاً خجلاً، ضيق الخطى. وأحس هو - وطفله مقبل عليه - أن دُوَاراً شب في رأسه حين نظر إلى عيني ابنه وهما تطالعانه وتنظران إليه
وقام الرجل (صاحب البيت) فدار على نفسه واتجه صوب النافذة، حين وافى الولد أباه، وحين فتح له هذا ذراعيه فاحتواه فيهما، وحين أخذ يقبله بجنون في شعره وعينيه وخديه وفمه وذقنه وكل وجهه، وحين انزعج الطفل من هذه القبلات العنيفة وأراد أن يتحاشاها ويبعدها عنه، وهو يدير رأسه إلى كل ناحية ليتخلص منها فلم يستطع، لأن الذراعين اللتين أحاطتا به قد تصلبتا عليه. . . . . .
. . . . ثم تراخيا عنه، لأن رقة قلبه شاعت في كل جسمه، فَرَحِمه وتركه، ليمسح دموعاً انسابت من عينيه، ونهض صارخاً يقول:
- وداعاً. . .
وأسرع فنزل الدرج قافزاً كالهارب، وحين احتواه الطريق انغمر في الظلام كاللص.