دعوني أسألكم: ما هو الإسلام؟ وقد يكون فيكم من يعجب أو يغضب لتوجيه هذا السؤال وبقول: أبعد ألف سنة من نزول القرآن، وبعد ألف كتاب في شرح الإسلام، وبعد آلاف من الخطب والمقالات والبحوث في توضيح شريعة محمد عليه الصلاة والسلام تسائلنا. ما هو الإسلام؟.
ولكن الحقيقة المؤلمة المرة أيها الناس هي أننا لم نتفق بعد على فهم الإسلام وتحديد معناه ومغزاه؛ فمنا مثلا قوم سيقت إليهم الدنيا بحذافيرها، فهم يتمتعون ويسرفون، ويطغون في شهواتهم ولا يتذكرون، ويتوسعون في فهم الإسلام توسعاً خاطئاً فيرونه دين تساهل وسماحة وتناس وغفران فحسب؛ ويرددون لتسويغ ما يرون:(إن الله غفور رحيم)(إن الله يغفر الذنوب جميعاً)، (ورحمته وسعت كل شيء)، ويستشهدون مثلا بأن سليمان عليه السلام سأل ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فلم إذن لا تكون دنيا هؤلاء مليئة بالرغبات واللذات؟!. وهكذا يسرفون في التأويل أو التحريف حتى يحتفظوا بما في أيديهم من قوة وجاه ومال ومتاع.
وفي مقابل هؤلاء قوم حرموا من الدنيا ولذاتها والحياة وبهجتها، فزهدوا زهد ضعف وافتقار، وتقشفوا عن عجز لا عن اقتدار، فتراهم يفهمون الإسلام فهما خاطئاً كذلك، إذ يعتبرونه دين ذلة ومسكنة، وفقر وبطالة، وكسل وخمول، وتراهم يرددون في ذلك قوله تعالى:(أعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) وقول الرسول: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها) وقوله: (حب الدنيا رأس كل خطيئة) وهكذا تراهم حين فقدوا الحياة العاملة يضيقون على الناس مسالكهم؛ ويشوهون أمامهم دنياهم، وكأنهم يأبون إلا أن يتساوى جميع الخلق معهم في العجز والافتقار!. . .
وبين هؤلاء وهؤلاء قوم حيارى مذبذبون، لا يستقرون على حال، ولا ينتهون إلى مآل. هم لا يجدون كل شيء، ولا يحرمون من كل شيء، فإذا وجدوا ما أرادوا تمتعوا ورتعوا، وعربدوا وأفسدوا، وضلوا في الاستشهاد فرددوا: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده