للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسرحية (سليمان الحكيم)]

للأستاذ توفيق الحكيم

بقلم الدكتور محمد القصاص

- ١ -

يذكر الأستاذ توفيق الحكيم في مطلع مسرحيته أنه بناها على كتب ثلاثة: القرآن والتوراة وألف ليلة وليلة؛ وأنه سلك فيها مسلكه من استخدام النصوص القديمة والأساطير لإبراز صورة في نفسه. ولعل هذه الكلمة خير ما يلخص مذهب الأستاذ الحكيم ومنهجه في التأليف المسرحي. فماذا أخذ من هذه الكتب الثلاثة وماذا ترك؟ وما الذي أضافه إليها من فنه ومن فكره؟ هذا ما نريد الآن أن نعرفه.

أما قصة القمقم والصياد ففي ألف ليلة وليلة؛ ولكن الصياد فيها، لما رأى من لؤم الجني الذي أراد أن يقتله جزاء تخليصه إياه من سجنه، يحتال عليه حتى يدخله القمقم من جديد ويغلقه ثم يقذف به في البحر كما كان. وهو مسلك لا يتصور غيره من إنسان، لأنه يتفق مع طبيعته وفكرته عن العدالة حتى في أسمى صورها. ولكن صياد سليمان الحكيم لم يفكر في شيء من هذا، بل راح يحاور الجني ويداوره في بلاهة تشبه القداسة، أو قداسة تشبه البلاهة، ليصل معه إلى اتفاق شريف، وهو هادئ الطبع أمام الموت الذي يهدده كأنه سقراط يهزأ بالموت وبالجلاد في سمو يليق بسيد الفلاسفة. وتلك ظاهرة بارزة لدى الأستاذ توفيق الحكيم، وفي الرواية التي ندرسها على وجه الخصوص؛ ظاهرة تنزع إلى إظهار شخصياته الثانوية أكثر تميزاً من أبطاله أنفسهم، فنراهم في كثير من مواقفهم (يسمون على أنفسهم) على حد تعبير المؤلف - عن شعور أو غير شعور. وقد نرجع إليها في مقال آخر. وأما القرآن فهو الذي أمده بالشطر الأكبر من هيكل المسرحية: ففيه قصة الهدهد، وحكاية النمل، وخطاب سليمان إلى بلقيس يدعوها أن تمثل بين يديه، واستشارتها لرجال دولتها، وهديتها لسليمان، ورفض سليمان الهدية، ثم إذعانها لزيارته، وعرض أمرها عليه، وقصة عرش بلقيس، وصرح سليمان، وأخيراً موت سليمان الذي لم يعرف نبأه الأنس والجن إلا بعد أن دلتهم عليه دابة الأرض تأكل منسأته. هذا إلى إطرائه حكمة سليمان، وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>