رأى صاحب السعادة الأستاذ محمد علي علوبه باشا وزير المعارف في رحلته إلى الشرق الأقصى قوماً من اليابان ينظرون في الأديان ليختاروا من بينها طريقهم إلى الله، وهم لذلك يتلمسون الوسائل لفهم القرآن فلا يجدون إلا ما كتب المستشرقون والمبشرون وأولو العِلاَّت من الجهل والغرض. وكل ما في أيديهم من ذلك ترجمتان: ترجمة أوربية لم تصدر عن معرفة، وترجمة (أحمدية) لم تصدر عن عقيدة؛ فالأولى تشويه من زور العلم، والأخرى تمويه من خداع السياسة. والدعوة الدينية اليوم فضلاً عن آثارها الروحية وسيلة من وسائل الاستعمار في الأمم الضعيفة، ونوع من أنواع التحالف في الأمم القوية
رأى الأستاذ ذلك وسمع أمثال ذلك فكان من أمانيه أن تصدر عن مصر كنانة الله وموطن الأزهر ومعقل العربية، ترجمة رسمية لمعاني القرآن تكون في الترجمات كما كان مصحف عثمان في المصاحف. فلما تولى وزارة المعارف كان من أول ما أمضى النية عليه أن طلب إلى مجلس الوزراء (ترجمة معاني القرآن ترجمة رسمية بحسب ترتيب سوره وآياته، وبأسلوب موجز واضح يمكّن المترجم من نقله إلى اللغة الأجنبية بالتدقيق الواجب توخيه في ترجمة رسمية؛ على أن يبدأ بترجمة القرآن إلى اللغة الإنجليزية بمعرفة لجنة أحد عنصريها جماعة من المستشرقين أو غيرهم من الأجانب، يراجع عليها كاتبان أحدهما مصري والآخر إنجليزي، يراجعان الترجمة مراجعة نهائية). وجعل الغرض لهذه الترجمة:(نشر هداية الإسلام بين الأمم التي لا تتكلم العربية، والقضاء على الأثر السيئ الذي أحدثته الترجمة الخاطئة). فعرض هذا الأمر صاحب الدولة رئيس الحكومة على صاحب الفضيلة رئيس الأزهر، فاستفتى فيه جماعة كبار العلماء فأفتوا بجوازه، وعلى ذلك أقره مجلس الوزراء وانقطع القول فيه
ما كان لنا إذن بعد أن أفتى كبار العلماء وأقر مجلس الوزراء أن نتكلم فيما فرغ الناس منه وتبين الحق فيه، ولكن (الرسالة) من واجبها أن تلاحظ ومن حقها أن تسجل. والجدل الذي قام على هذا المشروع المفهوم بالضرورة، بين من أيَّد وبين من فند، إنما دل على مغمزين في بعض رجال الدين لا يتجدد بهما حبل الإسلام ولا تبلغ عليهما رسالة الأزهر. دل على أن في العلماء من لا يزالون يعتقدون أن من سنة الدين إلغاء العقل بإلغاء الرأي. فهم فيما يوردون وفيما يصدرون عبيد للنقل، لا يفتون إلا بقول قيل، ولا يحكمون إلا بنص كتب،