وقد لا يكون من الفروق بينهم وبين صاحب هذا القول أو كاتب هذا النص إلا أنه سبقهم إلى الوجود بقرن أو أكثر!
صفحوا أوراق الأسفار الضخمة لعلهم يقعون على نص فقهي يحظر أو يبيح المعاني القرآنية إلى اللغة الإنكليزية، فلما أعياهم المحال بالطبع تقارعوا بالنصوص الحمالة، وتراشقوا بالنقول المبهمة، وفاتهم حين فاتوا الاجتهاد أن دعوة الإسلام عامة، ومن مقتضيات هذا العموم أن يترجم كتابها إلى كل لغة، وأن الداعي الأعظم (ص) الذي كان يجيب كل وفد بلحنه، ويخاطب كل إنسان على قدر عقله، ويهوّن على الفارسي فيكلمه ببعض لسانه، ويسهّل على قارئ القرآن بلهجته، ويوافق سلمان على ترجمته الفاتحة لقومه، لو نسأ الله في أجله حتى تُفتح الفرس وتُغلب الروم لأمر في أغلب الظن أن ينقل كلام الله إلى كلام الناس ليتصلوا به من غير حجاب، ويتفقهوا فيه من غير وساطة
إن في جعل بعضهم تعلم العربية شرطاً في فهم القرآن واعتناق الإسلام صداً عن سبيل الله وإبطالاً لدعوته. وإن إغفال الترجمة الإسلامية لآيات الله لم يحمل الفرس والترك والهنود على أن يتعربوا، وإنما ظلوا إلى اليوم يكابدون اختلاف الدعاة وتضليل الجهلة، وما تعرب منهم من تعرب إلا ابتغاء الرزق أو الجاه أو العلم في دولة العرب. وعدم الترجمة في مصر لم يحل دون وجودها في غير مصر؛ فإن الناس في الشرق والغرب يقرءون القرآن في أكثر اللغات بأسلوب مفكك وبيان قاصر، وواجب العلماء أن يغيروا هذا المنكر بالمحو وهو محال، أو بالتصحيح وهو ممكن. وليس في ترجمة معاني التنزيل استحالة ما أمكنت القدرة. والقول بأن المسلمين ما برحوا عاجزين عن فهم القرآن قول بأن الإسلام يقوم على أساس غير واضح. ولعل ترجمة المفهوم من لفظ القرآن أسلم من ترجمة المراد من معناه؛ فإن الأولى تفسير لغوي للنص، والثانية تقييد رسمي للرأي. وفي ذلك وشبهه مجال لعقل الفقيه إذا خلص من قيود التقليد لحظة
كذلك دل هذا الجدل على أن في العلماء من يلبسون الدين بالهوى ابتغاء لعرض الدنيا أو استشفاء من مرض القلب، فقد تحدث الناس عن رجلين معروفين بمرونة الرأي قاما يحاربان المشروع بنية مدخولة، حتى بلغ الأمر بأحدهما أن أهاب بدافعي الضرائب أن يحولوا بين الحكومة وبين الإنفاق على هذا العمل الباطل!!