كانت وفاة القائد الأعظم محمد علي جنه مصيبة فادحة سالت لها الدموع، وقد تلقيت نبأها الفاجع في حيرة بالغة، ودهشة محزنة، وأخذت أتساءل عن مصير دولته الفتية بعد أن فقدت بطلها العظيم، وربانها الحاذق، كما استعرضت - في كآبة قاسية - صوراً من الآمال المشرقة التي يتلمس العالم الإسلامي تحقيقها على يد الباكستان، مذ أصبحت دولة مستقلة تسمى إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، وتشعر بما يشعر به أبناء العقيدة المحمدية في جميع الآفاق.
ولقد أتيح لي أن أشاهد الفقيد الكبير أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، فراقني منه هدوءه المطمئن، ووقفت على صورة كاملة من مزاياه الطيبة التي تنطق بها ملامحه وإشاراته، كما تتبعت في كثير من الاهتمام نشاطه السياسي، وقرأت عن كفاحه واستبساله ما زادني إجلالا له في حياته، وألهب قلبي حزناً عليه غب وفاته.
ولا يقدّر مصيبة الإسلام في زعيم الباكستان غير منْ ألم بتاريخه إلماماً دقيقاً، فقد وهب رحمه الله نفسه للدفاع عن حقوق طائفته المبعثرة المتناثرة، فجعل منها قوة متشابكة متساندة تصل إلى أهدافها في جرأة، وتفصح عن رأيها في قوة وإيمان، وكانت - منذ أمد بعيد - هدفا تتعاوره السهام الخاتلة من كل جانب، وطعمة تتزاحم عليها الأفواه الجشعة من كل صوب.
وتاريخ جنه يرتبط أشد الارتباط بتاريخ الأمة الإسلامية في الهند، فإذا كتب كاتب عن الزعيم الراحل فإنما يتحدث عن مائة مليون من المسلمين كانوا أباديد في مختلف الجهات فوهبهم الله قائداً قوياً يجمع الشمل ويسلم الشعث حتى توحدت الكلمة على يده، ودنت الغاية المأمولة بجهوده. وسنعرض بإيجاز للحركة الإسلامية في الهند وأثر جنه في نجاحها الباهر، وحسبه أن كان التعريف به مقروناً بسيرة أمته، فكفاحها كفاحه، وتاريخها تاريخه.
كان حزب المؤتمر الوطني في الهند ينظر إلى المسلمين بعين الازدراء والمقت فهم أقلية لا يحسب لها حساب في الأمة الهندية، ولئن اصطبغ الحزب بالصبغة السياسية فقد كان