للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والفن في أسبوع]

للأستاذ عباس خضر

المازني:

فجعنا بوفاة الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني يوم الأربعاء الماضي (١٠ أغسطس الحالي)، وأقول (فجعنا) وأنا أشعر بألم الفجيعة في واحد من أساتذتنا الذين تعلمنا وما زلنا نتعلم مما يكتبون وليس من السهل أن نرى كاتباً كالمازني يسلم الروح بعد عشرة روحية طويلة، وقد كان رحمه الله يصدر في كتابته عن ذات نفسه يحدثك حديث الإنسان المجرد من الزهو والتصنع والرياء، كان يصور نفسه، وما ينعكس على صفحاتها من صور، وما يضطرب فيها من أحاسيس، تصويراً طبيعياً صادقاً، فيشعر القارئ أنه إزاء إنسان صديق ممتاز. وكان من أقرب الكتاب إلى النفوس، لأنه كان قريباً إلى نفسه، وإلى حياة الناس، يأخذ مادته من الواقع، ويصوغها في أسلوب يستمد حياته من الواقع أيضاً، أسلوب عربي متين، ومع ذلك يطابق به لغة الخطاب في روحها وسياقها، ويخيل إلي أنه حين كان يكتب يتمثل الحديث العادي في الحياة الواقعة، فيترجمه إلى أسلوب يجمع قوة البيان العربي وروح الطبيعة الصادقة، وكثيرا ما كان يتوخى الكلمات العربية السائرة في العامية أو المحرفة فيها التي نكتب ويمكن قراءتها على أصلها العربي، فيقول مثلاً: (ربنا يجازيك) مؤثراً هذا التعبير على (جزاك الله) لأن الأول يستعمله الناس في خطابهم مع سلامته في العربية بتصحيح نطقه. وأنا أميل إلى هذا المذهب في الكتابة، وأحب أن أتابع فقيدنا المازني فيه.

وكان الفقيد الكبير من النقاد الأوائل القلائل الذين بدءوا حياتهم الأدبية بالثورة على المناهج الدبية القديمة، فدعا فيمن دعا إلى تجنب التقليد وتزييف الشعور، وأن ينظر الأديب في حياته وإلى ما يحيط به، ليصدر فيما يكتب عن صدق وأصالة. وقد نشأوا جيل الأدباء الحاضر على تلك الأفكار التجديدية، ورددها تلاميذهم وطبقوها على إنتاجهم ونقدهم، حتى استقرت في الأذهان وأصبحت حقائق أدبية مسلمة.

وفي أدب المازني إنسانية تتجلى في تحليله للضعف البشري الذي يشعر به من نفسه ومن الناس، فتراه فيما يصور من أمر نفسه صريحا ظريفا ممتعا، وتراه عطوفا كريما في

<<  <  ج:
ص:  >  >>