عندنا عامل فقير مرح، فجأته ثروة ضخمة، فانكب على إنفاقها، فأصابته أمراض وعلل، فانقلب صاحب هم وغم ولم يجد خلاصاً من همه وغمه إلا أن يفر من ثروته
هذا الرجل نريد أن نمثله فكيف نمثله؟
الممثلون ينقسمون حيال هذا الرجل - كما ينقسمون حيال غيره - إلى قسمين: قسم يقول لك: أنا إذا أردت أن أمثل دوراً كهذا فإني أبحث بين الناس أو في ذاكرتي عن رجل يشبهه أكون قد رأيته أو أكون قادراً على رؤيته، ثم أدرس هذا الشبيه في فقره ومرحه فأرى أثر الفقر فيه، وتأثيره في صوته، وفي مشيته، وفي حديثه، وفي إصغائه، وفي إشاراته، وفي إقباله على الناس، وفي تركه للناس. . . وما يفعله الفقر بعد ذلك كله في نفسه، ثم أدرسه بعد ذلك في مرحه، ثم أدرسه بعد ذلك إذا اغتنى، فإذا رأيته يبذر القرش في طعام، فهو سيبذر الجنيه في طعام أيضاً إذا أتاه جنيه، وإذا رأيته يبذر القرش في زينة، فهو سيبذر الجنيه أيضاً في زينة، وإن اختلفت زينة القرش عن زينة الجنيه؛ ثم أدرسه بعد ذلك وهو مريض معتل، فأراه إذا كان يصير ويحتمل أو يتبرم ويتململ؛ ثم أدرسه بعد ذلك في همه وغمه، فأراه كيف يشكو أو كيف يكتم الشكوى، وأراه لمن يشكو إذا شكا، ألكل من هب ودب أمامه، أم لعاقل ترجى عنده النصيحة، وأراه بعد ذلك كيف يقطع الرأي فيما يهمه ويغمه، أيتردد طويلاً أم قصيراً أم يبت في الأمر بالفكرة الأولى، أم يستقصي ما يتوارد إلى ذهنه من الأفكار، أم يستسلم فلا يفكر؛ ثم أدرسه في آخر الأمر وهو فار هارب من همه وغمه، وأراه كيف يكون حين يشعر بالنجاة، أراضياً مرتاحاً، أم ساخطاً، أم مشتاقاً إلى الرجوع إلى النكد عندما يذكر أن هذا النكد كان فيه مال، وكانت فيه ثروة فإذا درست هذا كله وإذا رأيته استطعت بعد ذلك أن أمثله وأنا أضمن أن أخرجه صورة طبيعية صادقة رائعة. . .