نيتشه هو ممثل الفكرة الألمانية الجبارة في تاريخها الحديث كما كان (بسمارك) رجلها الحديدي في السياسة. فهما وإن اختلفت منازعهما وتباينت الحقول التي غرسها فيها، فما غرس الاثنان إلا بذور القوة والإرادة في شعب تلقحت دماؤه وأفكاره بمصل القوة والإرادة.
هنالك كلمة تسطرها براعة الفلاسفة والنقاد وتشغل مكاناً من العصر الحديث. هذه الكلمة هي كلمة (الانحطاط الاجتماعي) وفلاسفة الاجتماع لا يرون في هذا الانحطاط شيئاً سياسياً يمكن إصلاح الفاسد فيه، أو اعوجاجاً يمكن تقويمه، بل هو داء عضال قد تأصل في جسم البشرية وتمشى في لحمها وعظمها ودمها فهو لا يذهب إلا بذهابها ولا يتلاشى إلا بانقراضها. ومن هؤلاء المغالين في تشاؤمهم (فردريك نيتشه) الذي نازل العالم كله وحده، وهدم العقائد والتقاليد مستمداً من عقله وقلبه عقائد وتقاليد أسمى منها.
- ٢ -
الشخصية في نيتشه
إن من الجور أن ننظر فيما ترك نيتشه من تعاليمه (كمذهب محدود) لأن الرجل لم يعمل على أن يؤلف مدرسة فلسفية، ولم يكن لمثل عقله الوثاب أن يقيد نفسه بقيود ضيقة؛ وإنما هو الثورة المتدفقة التي لا تعرف نظاماً ولا انتظاما يملك عليها الاضطراب في اندلاعها،