أرأيت ذلك العاهل الشاب، ينازعه عاملا عرشه وقلبه، يهيب به الأول: أن الجاه الجاه، والسلطان السلطان؛ ويهيب به الثاني: لا سلطان إلا سلطان الغرام؛ وهو فيما بين هذا وذاك كريشة في مهب الريح، وقد أرهف العالم أذنيه، ليسمع كلمته الفاصلة، وكاد الفلك يكف عن دورانه، لينصت إلى قراره الأخير، حتى أطلقها من فيه كلمة كالقذيفة، وسمع دويها في الخافقين، فكانت فصل الخطاب؟
ألا فليشهد الفلك وليحدث التاريخ: أن عرش الإمبراطورية البريطانية الذي لا يهزه قصف المدافع، ولا تزعزته قوة الأساطيل، قد هزه لحظ فاتر، وزعزعه بنان مخضوب! وهكذا تثبث الطبيعة البشرية أن المرأة هي المرأة في كل زمان ومكان، منذ أن أخرجت آدم من الجنة إلى أن زحزحت إدوارد الثامن عن عرشه
لقد شهد تاريخ القرون الوسطى حرباً شعواء دارت رحاها بين السلطتين الزمنية والروحية، فليشهد التاريخ الحديث حرباً شعواء من نوع آخر بين السلطتين الزمنية والقلبية. فلئن كان العرش أخضع الفاتيكان يوماً لنفوذه، فها نحن أولاء نرى العرش ينهزم أمام الحب، ثم يقف بين يديه خاضعاً ذليلاً، يبايعه بالأمارة، ويعترف له بالغلب. ولعمري إن السلطة القلبية لهي أقوى السلطات الثلاث يأساً، وأصعبها مراساً، وأشدها عراماً، وأنفذها أحكاماً. ألم يضح الناس قديماً بالأديان على مذبح الحب والغرام؟
فأن تسلمي نسلم وإن تتنصري ... يخط رجال بين أعينهم صُلبا
هذه هي بريطانيا العظمى أولى دول العالم، وهذا هو إدوارد الثامن الرجل الأول في بريطانيا العظمى، فأن شئت أن تشير إليه فقل: إن الإنسانية جسم هذا هامته، أو هي رأس هو ذؤابته، لو خلق إنسان من غير طين وماء لكان إياه، ولو استمر البشر على عبادة البشر لعبدوه من دون الله
ولكن، أليس عجيباً أن يكون هذا العاهل العظيم، لا يملك من أمر نفسه ما أملكه أنا من أمر نفسي، وما يملكه عامة شعبه من أمور أنفسهم؟! يشاء العامل البسيط أن يتزوج فيخطب