فكرة الضحية وإهراق الدم للمعبود لم تزل باقية إلى اليوم. فالوثنية قد خلفت تقاليد لم يكن محوها من اليسير. إن ذبح الخروف في العيد الكبير إن هو إلا ظل باهت لتلك العهود التي كان يُدفع فيها الآدمي للذبح عند أقدام الهياكل. ولكن الزمن غير الشكل ولم يغير المبدأ. إن الإنسانية في تطورها لا تمحو شيئاً غرس في طبيعة الإنسان من قديم. . . ولكنها تبدل في لونه وطلائه، وتعدل في ملامحه وتكسوه ثياباً أخرى، وتسميه اسماً جديداً يتفق مع روح العصر الجديد. فالإنسان لا يتغير. إنما يتطور. ولم يغب ذلك عن حكمة الأديان. فهي في تعاقبها لم تنسخ كل ما رسخ من عقائد الإنسان. ولكنها أخذت أكثر هذه العقائد بالرفق، فهذبت من وسائلها وغاياتها. فالضحية الآدمية جعلتها ضحية من الحيوان؛ والغاية منها، وقد كانت إرضاء المعبود وحده، حولتها إلى إرضاء الله بإرضاء الفقير في يوم العيد
هنالك شيء ينبغي أن نتدبره إذا أردنا إحداث انقلاب في حياة البشر. الحذر كل الحذر من أن نقتلع شيئاً من جذروه، فإن ما نبت في قلب البشرية لا يقتلع. إنما نحن نستطيع دائماً أن نهذب ذلك الغرس وأن نميل به إلى حيث تريد ريحنا. وأن نبدل بما نشتهي ألوان أزهاره وثماره، وأن نولد منه أقوى الأشجار. . . وهكذا نخرج للحياة مما كان وعلى أساس ما كان، ذلك الذي يقول فيه الناس إن عين الشمس لم تره. آه! ما أصدق تلك الكلمة: لا جديد تحت الشمس. نعم. إن يد (الطبيعة) لا تبرز جديداً ولا تميت قديماً، ولا تمحو من الوجود، ولكنها تعدل وتبدل في الموجود. فلنتذكر دائماً أن لا شيء ينعدم في الطبيعة. وليست (المادة) وحدها هي التي لا تنعدم، كما يقول الكيمائيون. كل شيء لا ينعدم في هذا الوجود. إن الطبيعة لا تعرف كلمة (العدم) ولكنها تعرف كلمة (التحول)