كانت تجلس هي وجدَّتها العجوز الحَيْزَبون فوق حَيْد الجبل على مقعد خشبي صنع لهما خصيصاً في هذه الجهة لكثرة ما بَسَق فيها من الأيّك. . وكانت السماء ترسل عليها مدراراً من الغيث، وكان الهواء بالرغم من ذلك دافئاً جميلاً منعشاً
وكانت الفتاة تتلو في كتاب عن الأدب الإنجليزي، والجدة مُصغية ساكنة، فلما انهمرت شآبيب المطر أقفلت الفتاة كتابها، وراحت تصغي بدورها لهذه المحاضرة الطويلة الممتعة التي أنشأت جدتها تلقيها في حماسة عن اللغة والأدب، وعن دكنز وإليوت وثاكراي وغيرهم من فحول رجال الأدب في العصر الفكتوري وتنعى على الأدباء في هذا العصر هراءهم الذي يؤلفون فيه الكتب من غير أن تكون لهم مُثلٌ عليا يؤلفون من أجلها، ويبشرون بها بين الناس. . .
وكانت الجدة لا تبالي أن تضرب لحفيدتها الأمثال بما ورد في قصص أولئك الفحول عن الحياة والعمل والأخلاق. . . والحب. . .
فهذه بِكّي شارب بطلة قصة ثاكراي الخالدة لا ترى شيناً في أن تنفع زوجها بمجازفة غرامية يكون فيها حبيبها رجلاً شيخاً ضعيفاً. . . وهذا لورد لِستَر في قصة سكوت
لا يرى بأساً في أن تُقتل حبيبته إيمي حتى لا تقف عقبةً في سبيله إلى عرش إنجلترا. . . وهذا فلان، ثم ذاك فلان. . . أما في هذا العصر. . . فماذا يصنع الأدباء؟!
وكانت الأمثال التي تضربها الجدة المتحمسة تطن في أذن الفتاة الصغيرة كما يطن النحل في الخلية الفارغة. . . ذلك أن فؤادها كان خالياً من هذا الوحي الجديد الذي نبه فيه غرائز حواء، من غير أن تعرف الفتاة علة هذا القَبس المقدس الذي بدأ يذكو في أعماقها، والذي نعرف سلفاً أنه فجر الحب وخَيطه الأبيض الجميل
ثم حدث أن أقبل فتى وفتاة في هذه اللحظة، وطفقا يَتَوَقّلان في الجبل، فلما جاوزا، نظرت