معرفة الحاضر على ضوء الماضي كمعرفة الماضي على ضوء الحاضر: كلاهما وسيلة من وسائل المعرفة الصحيحة بعد المقابلة بين الحالات المختلفة
ومنذ أيام رجعنا إلى وثائق الحركة الدستورية والحركة الاستقلالية على عهد الاحتلال، لأنهما مدار القضية المصرية، وهي الآن في دور الفصل والتقرير. فوقفنا على نبذ من طرائف التاريخ القريب تدلنا على ما نحن فيه وما كنا فيه، وتحتاج إلى بعض التوضيح من طريق التعقيب
كان لورد كرومر يتكلم عن المطالب الوطنية في تقريره عن سنة ١٩٠٦ فقال عن مطالب الحزب الوطني:(. . . فهمت إنه يطلب إنشاء مجلس شبيه بمجلس النواب البريطاني. ولا أدري هل كان يطلب حصر السلطة كلها في مجلس واحد، أو إنشاء مجلس ثان بمثابة مجلس الشيوخ في فرنسا، أو مجلس الأعيان في إنجلترا، ولا أدري كذلك هل كان يقصد إن ذلك المجلس النيابي المصري يسن القوانين لسكان القطر المصري كلهم بلا فرق ولا تمييز، أو يسنها لرعايا الحكومة المحلية وحدهم دون غيرهم. . . فلعلي لا أخطئ إذا قلت أن ذلك الحزب يطلب أولا أن تكون الوزارة مسئولة لذلك المجلس، وأن يتوقف وجودها على بقاء أكثريته معها، وثانيا أن تكون للمجلس السيطرة التامة على مالية البلاد كما هي الحال في المجالس التي ينتخب أعضاؤها في بلاد الإنجليز وفي غيرها من البلدان الأوربية)
ثم قال:(فلو قبل طلبه الأول لأفضى إلى الفوضى بلا مبالغة، لأنه يثير الدسائس على اختلاف أنواعها، ويعيد القوة إلى الرشوة التي كانت ضاربة إطنابها في طول البلاد وعرضها، ولا تزال إلى يومنا هذا تموت موتا بطيئا جدا، ولا يبعد إنه يعيد أسوأ مساوئ الحكومة الشخصية تحت ستار المجالس الحرة الشورية. ولو قبل طلبه الثاني وتولى المجلس مراقبة المالية، لأفضى ذلك بالأمة إلى الإفلاس لا محالة. . .)
هكذا كان لورد كرومر يقول قبل أربعين سنة في إبان سيطرة الاحتلال
ومهما يكن الظن بالباعث له على هذا الرأي سواء اعتقده أو غلبت عليه المصلحة السياسية