كان يصح أن أجعل موضوع حديثي اليوم ما أفضى إليّ طالب بالسنة التوجيهية بإحدى مدارس وزارة المعارف بالقاهرة، فقد جلس الطالب إلى جانبي في بعض مراكب (الترام) وجعل يشكو إليّ (على غير علم بأني ناقد كتاب البخلاء) من أنه قد يعرض للطلبة توقف في فهم بعض أغراض الشارحين للكتاب فيبدو لهم أن يناقشوا أستاذهم في ذلك، فيوصد باب التفاهم معهم بقوله: إذا قال الجارم بك وجب الإذعان. وهكذا يميت الأستاذ في نفوس طلابه حب البحث ومعالجة الحقيقة بكلمة لعله يرجو أن تصل إلى صاحبها فتكون شفيعاً له. ولكن ما أدناها من شفاعة إذا كان الأستاذ يعلم صواب ما يريد طلابه مناقشته فيه فيحتجنه عنهم ابتغاء مرضاة رئيسه.
ولكنا نعود إلى عملنا في نقد الكتاب راجين من حضرات المدرسين بالسنة التوجيهية، وهم الذين يدرسون الطلاب هذا الكتاب ويعدونهم للامتحان فيه بمناقشة معانيه وتوجيه مراميه راجين منهم أن يزنوا كلامنا حتى إذا آمنوا بصدقه عادوا إلى طلابهم فصححوا ما كانوا قد مروا به من سقطات الكتاب ليؤدوا بذلك أمانة العلم كاملة إلى طلاب لا لوم عليهم إذا قبلوا حقائق تقول وزارة المعارف إنها محضتها فارتضتها غذاء لعقولهم.
ص ٩١ يقول خالويه المكدي لابنه:
(ولست أرضاك وإن كنت فوق البنين، ولا أثق بك وإن كنت لاحقاً بالآباء، لأني لم أبالغ في محبتك)
هكذا أورد الشارحان كلمة (محبتك) وعلقا على الجملة بقولهما:
(ولست أرضاك) أي لسري وثقتي. (وإن كنت فوق البنين) أي فوق أبنائي منزلة. (ولاحقا بالآباء) أي لأنك كبير السن. (لأني لم أبالغ في محبتك) لأني لم أجاوز الحد في تقدير محبتي إياك