وهذا التفسير خطأ في ذاته ينقض آخره أوله؛ إذ كيف يجعله أولاً فوق البنين ثم لا يكون مبالغاً في محبته! وهل فوق محبة البنين محبة؟!
كان يكفي هذا التناقض لعدول الشارحين عن شرحهما وبحثهما عن تصحيف أو تحريف لعله يكون قد وقع في الجملة، ولكنهما لم يفعلا وقبلا هذا التناقض في سطرين متوالين من شرحهما.
والذي أراه أن كلمة (محبتك) مصحفة عن كلمة (محنتك)، والمحنة الاختبار. فيكون الذي منع الوالد من أن يجعل ابنه موضع سره ليس نقص محبته ولكن نقص تجربته له
أما كون الأب لم يجرب ابنه فذلك معقول، جائز خصوصاً إذا كان الأب كخالويه هذا قضى حياته موكلاً بفضاء الأرض يذرعه
وفي الصفحة عينها يقول خالويه هذا متحدثاً عن ماله:(ولم أحمد نفسي على جمعه كما حمدتها على حفظه لأن بعض هذا المال لم أنله بالحزم والكيس)
والمعنى في ذلك واضح، فهو يقول أن بعض هذا المال صار إليّ من غير تعب أو محاولة في جمعه، كان صار إليه من هبة أو ميراث، فلا يكون له فضل في الحصول عليه. ولكن الشارحين يقولان في معنى الجملة الأخيرة:(لأني لم أسلك في جمع بعضه طريق الحكمة والحزم).
وهذه عبارة ناطقة بأنه سلك في جمع هذا البعض طريقاً غير طريق الحكمة والحزم
في ص ١٠٦ يصف الجاحظ رجلاً بأنه عضب اللسان عارف بالغامض من الأمور فاهم للدقيق من المحاسن لا يسكت على عيب في الناس إلا ندّد به وشهّر، ثم يقول عنه بعد ذلك:
(وإن ثريدته لبلقاء إلا أن بياضها ناصع، ولونها الآخر أصهب. ما رأيت ذلك مرة ولا مرتين).
فيقول الشارحان بعد أن فسرا البلقة بأنها بياض وسواد أو بياض وحمرة: ويظهر أن هذا التلون في الثريدة يكون من قلة الدسم أو رداءة المرق وقلته، حتى ليكون بعض الثريدة مشبعاً به وبعضها ليس كذلك. اه
والظاهرة العجيبة في هذا الشرح أن الشارحين يذكران فيه شيئاً غير معقول لأحد، حتى