للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أنديتنا الموسيقية]

للأستاذ حسني كنعان

كانت الموسيقى قبل ربع قرن، تصدر في بلاد الشام عن مصر بطريق أسطوانات الحاكي، وكان الموسيقيون لدينا يجهلون النوتة الغربية، فيضع أحدهم الحاكي أمامه ويدير مفتاحه وينقل عنه الأغنية أو الدور أو البشرف أو الدولاب أو السماعي كما يسمعه دون تحوير أو تبديل. وكان أرباب هذه المهنة محتقرين لديناحتى أنالأب إذا علم أن ولده قد ظهرت فيه مخايل المواهب الموسيقية تبرأ منه وأخرجه من داره، ولبثت الحال على ذلك حتى انبثق فجر النهضة الكبرى في بلادنا عقب الحرب العالمية الأولى فتأسس أول ناد للموسيقى في دمشق ضم الصفوة المختارة من رجالات الفن عندنا، فيهم المحامي والطبيب والموظف والتاجر والمزارع والصحفي وغيرهم ممن كان يمنعه الحياء ومسايرة البيئة من الظهور، وبعد أن تمرن أعضاؤه على القطع الموسيقية الصامتة والغنائية والموشحات وسواها، وحذقوها على أساتذة فنيين معروفين بخبرتهم الواسعة وكفاءتهم، بدءوا بإقامة أول حفلة موسيقية على مدرج الجامعة السورية الفخم فلم يبق أحد في دمشق ممن حضرها إلا وقد سرًّ بما سمع وبما شهد من تنسيق وإبداع وانسجام بين أعضائها الذين ظهروا على المرشح بمظهر من يبغي إعزاز هذا الفن وإزالة ما علق في نفوس القوم من احتقار أربابه واشياعه، ولا تزال ذكرى هذه الحفلة عالقة في النفوس برغم بُعد العهد بها. وأطلق على هذا النادي اسم (النادي الموسيقي السوري) وهو أقدم أنديتنا، وقد قام بفضل أموال أعضائه المشتركين، وريع حفلاته وكان رئيسه الفخري وهو أحد الرجال الوطنين المعروفين، لا يألو جهداً في جمع الإعلانات له وإقامة حفلات خاصة لعظماء الرجال الذين يؤمون سوريا للاصطياف أو في مناسبات خاصة، أذكر أن المرحوم طلعت حرب باشا باعث نهضة مصر الاقتصادية قد دعي مرة إليه، وأقيمت له حفلة رائعة خرج منها مغتبطاً مسرورا، وجادت يداه رحمة الله بإعانة مالية كان لها الواقع الحسن والأثر الحميد.

بقى هذا النادي محلقا في سماء الفن حقبة من الزمن، إلى أن أصابه ما يصيب كل حي في هذا الوجود من ذرور قرن الخلاف والشقاق بين أفراده. وظهر فيه داء الغرور والمنافسة فتفرق أعضاؤه بعد اتفاق، واختصموا بعد وئام، وكانت عاقبة ذلك أن انقسم النادي إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>