للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فقه عمر]

للأستاذ محمود شلتوت

(عمر بن الخطاب هو أول من كتب التاريخ بالهجرة، فأحيا

بذلك مجدها، وخلد على الزمان ذكرها، فحق على الذين

يحتفلون بهذا العيد أن يذكروا عمر!)

للرسالة المحمدية جانبان: جانب التلقي عن الله رب العالمين، وهو خاص بمحمد صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد من أمته، وجانب الفهم والبيان، والدعوة والإرشاد، والعمل على توسيع نطاق الإسلام ومد رواقه، وتنظيم الشئون بأحكامها، وإلى هذا الجانب ترجع عزة الإسلام وبقاؤه على الدهر فتياً لا تزعزعه العواصف ولا تنال منه الأحداث. ويشارك الرسول من أمته في هذا الجانب من آتاه الله العلم والحكمة، وقذف في قلبه النور والهداية، وكشف له عن سر تشريعه، وبصره بمواقع الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، ووهبه غيرة تحمله على الجهاد في ذلك كله، وعلى الصدق والإخلاص في هذا الجهاد!

وإذا كانت عزة الإسلام ترجع إلى الجانب الثاني، وإلى قيمة ما يتصل به من جهود موفقة مخلصة صادرة عن الإيمان واليقين، فإن من يقرأ سيرة عمر، ويقف على جهاد عمر، ويعرف مواقفه المجيدة أثناء خلافته وقبلها، وأفكاره السديدة في حياة الرسول وبعدها، يدرك بوضوح: لماذا كان عمر على رأس الذين أعز الله بهم شريعة الإسلام، وركز أصوله، وأرسى قواعده، كما كان على رأس الذين أعلى بهم كلمته، وأعز سلطانه، ووسع ملكه، ويدرك سر هذه الدعوة النبوية التي توجه بها محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه حين أنكره الناس، وتألبوا عليه، وتحالفوا على الكيد له ولرسالته: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك) وقد ضمن الله لنبيه إعزاز دينه، ونصرة شريعته، فأجاب دعوته وهدى أحب الرجلين إليه، فكان إسلام عمر تنفيذاً للإرادة الإلهية، وتحقيقاً للدعوة النبوية، وكان إعزازاً لدين الله برجل العزة والسلطان، ونصراً لشريعة الله برجل الفهم والبيان!

لعمر رضي الله عنه نواح كثيرة: فهو رجل حرب وجلاد، ورجل حكم وسلطان، ورجل تقى وإيمان، ورجل عدل ونصفة، ورجل إشراق ونور، ورجل فقه وقانون، ولسنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>