لكل عصر من عصور التاريخ التي حصل فيها انقلاب تطوري للشعوب والعقل الإنساني على العموم، طابع خاص يتميز به عن غيره. ومن أهم تلك العصور التي كان لها حدث تاريخي عظيم في ذلك الانقلاب وخصوصاً في نشأة الدول وتطور النظم الحكومية عصر القرون الوسطى والعصر الحديث.
فالاستبداد أي قيام طائفة بعينها بالحكم في الرعية وادعائها أنها وحدها هي التي تصلح للحكومة والمختارة للسيادة - ظاهرة من الظواهر التي تكون طابع عصر القرون الوسطى. فهذه الطائفة كانت ممثلة في رجال الكنيسة، وكان مصدر اختيارها على حسب زعمها هو الله، وحكومتها تعرف في التاريخ السياسي بالـ
وهنالك ظاهرة أخرى لا تقل عن سابقتها شأناً في تكوين هذا الطابع، وهي ظاهرة التمسك بالنصوص القانونية والجمود في تنفيذها ولو كان في ذلك التضحية بالمصالح الحيوية للرعية وعدم التمشي مع ما تتطلبه العدالة العامة التي هي الغرض المقصود من أي قانون وضعي أو مصبوغ بالصبغة الدينية، وهذه الظاهرة تعرف في تاريخ التطور العقلي بالـ
وكون تلك النصوص في هذا الوقت كانت لها صبغة دينية لا يغير من قيمة هذه الظاهرة ولا من كنهها وهي التمسك بالنصوص القانونية من حيث هي نصوص، كما أن كون الطائفة الحاكمة كانت من القساوسة وأرباب الكنيسة لا يبدل من حقيقة الظاهرة الأولى وهي أن الحكم كان استبداديا، إذ أتصاف الطائفة التي حكمت والنصوص القانونية التي سادت في هذا العصر بالوصف الديني لا يدل إلا على مصدر حكم السلطة التنفيذية، وإلا على مصدر التشريع، كما أن الوصف بالديمقراطية في العصر الحديث لا يعين أكثر من أن مصدر الأمرين جميعاً هو الأمة. أما كون القانون في ذاته أو الحكومة في نفسها عادلة أو غير عادلة فليس بضروري أن يكون مرتبطاً ارتباطاً تاماً بالمصدر، وإنما هو شيء آخر سبيل معرفته الناحية العملية في الحياة الإنسانية، وكونه طبق مصالح الأغلبية من الرعية أو ليس على وفقها. فقد يكون مصدر الحكم جمعياً، وهو الأمة مثلا في الحكم الديمقراطي والذي هو مظنة العدل، ومع ذلك لا يكون طبق مصلحة السواد الأعظم من