للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٩ - شاعرنا العالمي أبو العتاهية]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

زهده وتكسبه بالشعر:

كان أبو العتاهية مع زهده لا يترك التكسب يشعره، وإذا رجعنا إلى حاله في ذلك وجدناه لم ينقطع عن بني العباس وقبول جوائزهم من عهد المهدي الذي ابتدأ اتصاله بهم فيه، إلى عهد المأمون الذي انتهت فيه حياته، وقد طعن عليه بذلك في زهده كثير من منافسيه في الشعر وغيره، وحملوا ذلك منه على الرياء والمخادعة، وقد أنشد المأمون بيت أبي العتاهية يخاطب سلماً الخاسر:

تعالى اللهُ يا سَلَم بن عمرو ... أذلَّ الحرص أعناق الرجال

فقال المأمون: إن الحرص لمفسد للدين والمروءة، والله ما عرفت من رجل قط حرصاً ولا شرها فرأيت فيه مصطنعاً. فبلغ ذلك سلماً فقال: ويلي على المخنث الجرار الزنديق، جمع الأموال وكنزها، وعبأ البدر في بيته، ثم تزهد مراآة ونفاقاً، فأخذ يهتف بي إذا تصديت للطلب. واجتمع أبو العتاهية مع جماعة عند قُثَم بن جعفر بن سليمان فأخذ ينشد في الزهد، فطلب قثم الجماز فأحضر إليه وأبو العتاهية ينشده، فأنشأ الجماز يقول:

ما أقبح التزهيد من واعظ ... يزهِّد الناس ولا يزهّد

لو كان في تزهيده صادقاً ... أضحى وأمسى بيته المسجد

يخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد

والرزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود

فالتفت أبو العتاهية إليه فقال من هذا؟ قالوا الجماز، وهو ابن أخت سلم الخاسر، اقتص لخاله منك، فأقبل عليه وقال له: يا ابن أخي إني لم أذهب حيث ظننت ولا ظن خالك ولا أردت أن أهتف به، وإنما خاطبته كما يخاطب الرجل صديقه، فالله يغفر لكما، ثم قام

وحدث حبيب بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه قال: كنت في مجلس خزيمة فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال والله ما لنا عند الله عذر ولا حجة إلا رجاء عفوه ومغفرته، ولولا عز السلطان وكراهة الذلة، وأن أصير بعد الرياسة سوقةً وتابعاً بعد ما كنت متبوعاً، ما كان في الأرض أزهد ولا أعبد مني، فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>