للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيف استفتى العلم]

في أول وحي إسلامي؟

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

جاء الإسلام وقد آن للبشرية أن تدخل في عصر يجمع بين الدين والعلم، ليتضافرا على هناءتها، ويكفلا لها السعادة في دنياها وآخرتها. فكان لها من الإسلام الدين الذي يحقق لها هذا الغرض، ويمد يده إلى العلم من أول يوم يولد فيه، ليعلم الناس من أول الأمر أنه دين يؤاخي العلم، ويقدر فضل رجاله ويرجع إليهم فيما يفيد الرجوع فيه، ولا ينأى بجانبه عنهم كما نأت الأديان الأخرى، فذمت الحكمة والحكماء، وقالت في بعض رسائلها المقدسة: الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة. كما قالت في نص آخر: لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله

فلم يغض الإسلام من الحكمة كما غضت منها هذه الأديان، بل مدحها في إطراء، ورفع من شأنها، وعدها أكبر نعمة من الله على بني الإنسان: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب)

وقد فتح الإسلام بذلك عصراً جديداً في تاريخ الإنسانية، وانتقل بها من دور الطفولة الذي لم تكن تؤمن فيه بالعلم والنظر، بل كانت تؤخذ إلى الإيمان بوساطة المعجزات، وخوارق العادات لقصور عقلها، وعجزها عن فهم الإيمان إلا بهذه الوسيلة التي تؤخذ فيها بالدهشة، ولا تحتاج إلا إلى قليل من إعمال الفكر والنظر

فانتقل الإسلام من ذلك إلى معجزة تنظر إلى من قصد بها كإنسان كامل، له عقل يفكر به، ويمكن أخذه بطريق النظر إلى الإيمان، ليؤمن عن عقل وتدبر، ولا تنفرد بإيمانه المعجزة وحدها، وليقوم إيمانه على أساس العقل، ويتضافر في تشييد بنائه الوحي والعلم

والآن فلنبين كيف استفتى العلم في أول وحي إسلامي:

نشأ النبي صلى الله عليه وسلم بين قومه في مكة، فرعى الغنم صغيراً، ثم اشتغل بالتجارة بعد رعي الغنم، ثم تزوج خديجة رضي الله عنها، ووجد من وقته فسحة بعد تزوجها، فكان يقصد إلى غار حراء يتعبد فيه الفينة بعد الفينة، فيقضي فيه الليالي ذات العدد، ثم يعود إلى زوجه فيمكث معها أياماً، إلى أن يقصد الغار مرة أخرى؛ ولم يكن هو الذي يفعل ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>