تتبعت في شيء غير قليل من الإمعان والتدبر ما كتبه (باحث فاضل) على صفحات (الرسالة) أخيراً تحت عنوان (بين الشرق والغرب) تعليقاً على ما جاء في المقالين الأول والثاني من مقالاتي في الردّ على ما أثاره صديقنا الأديب النابغة (فليكس فارس) من اعتراضات استمدها مما قاله في مناظرة جرت له معنا منذ عام أو أكثر، وذلك في صلب مقال نشرته له (الرسالة) وجهها لفنان مصر (توفيق الحكيم) بمناسبة ما كتبه عن الشرق والغرب في قصته (عصفور من الشرق).
وقد راعني من كتابة باحثنا الفاضل تخبطه في أمور لا أعتقد أن لها سبباً غير ضعف كفاية التأمل والقياس العلمي عند الجيل الحاضر من كتابه العربية، فقد انساق باحثنا إلى مواقف ما كان ليقفها لو كان التأمل والقياس عنده اكتملت أسسهما من المنطق العلمي. والمسألة بعد لم تخرج بيني وبين باحثنا المفضال عما كان بيني وبين الصديق (فليكس فارس)، خصوصاً وأن الكثير من أجزاء مقال الباحث مقتعلة من المادة التي جابهنا بها مناظرنا (فليكس فارس)، والتي كانت مقالاتنا في (الرسالة) بياناً مفصلاً لزيفها، وأنها لا تثبت لكي تقف على قدميها لترجح رأياً. لأنها تحمل في طياتها أدلة ضعفها. وبعد فباحثنا الفاضل حاول أن يكون في كتابته منطقياً على قدر الإمكان، فجاء في الشطر الأول من تعليقه بكلام يرد فيها كلامنا إلى أصولها الأولى وخطوطها الأساسية، ويفصل فيها برأي عنده، هو الحد الفاصل على ما يرى بين اعتقاد له في الشرق واعتقاد لنا في الغرب.
والمسألة لم تخرج عن كونها قضية إن احتلت الجدل من ناحية المنطق الشكلي من حيث هو إدارة الكلام في صور من الأقيسة لإثبات وجهة من النظر معينة، إلا أنها من ناحية الواقع لا تحتمل الجدل؛ ذلك أنها أولية من الأوليات التي تنزل من مواضعات فكرنا الحديث من حيث لقح بالمنطق العلمي. ونحن في ردنا على ما أثاره باحثنا الفاضل من اعتراضات ظنها تقوِّمُ وجهة نظر في تفاضل الشرق على الغرب، فإننا نرجو أن نفصل الكلام بعد في موضوع الغرب والشرق موجهين البحث إلى وجهه الصحيح بعد أن تشعب