آلى ممنون على نفسه: أن يصير فيلسوفاً عظيماً في يوم من الأيام. وقليل من الناس هم الذين لم يعتزموا في وقت ما مثل هذا العزم الرائع.
قال ممنون في نفسه: إن بلوغ الكمال في الفلسفة معناه بلوغ الكمال في السعادة. وليس علي أن أعمل لكي أصير فيلسوفاً إلا التجرد من كل الشهوات؛ ولا شيء أسهل من ذلك كما يعرف كل إنسان. وسأبدأ بمقاومة الحب فإذا رأيت امرأة جميلة أقول في نفسي إن هذه الخدود ستدركها الغضون، وإن هذه العيون ستصبح طعاماً للدود، وإن هذا الرأس سيصبح جمجمة منخوبة. فإذا ما تصورت خيالها وهي كذلك فأن جمال وجهها لن يؤثر في نفسي
هذا من جهة. ومن جهة أخرى فأني سألزم القصد والاعتدال، فإذا ما وجدت من نفسي إغراء على شرب النبيذ الشهي أو الطعام المريء أو غيره مما يفتتن به المجتمع ذكرتها بآلام الرأس من التغالي في الشراب، وبآلام البطن من التغالي في الطعام، وحذرتها من فقدان العقل والصحة. ومتى تجنبت التغالي ظلت صحتي موفورة وظل ذهني نقياً وضاءً
وقال ممنون: كذلك يجب ألا أفكر كثيراً في الثروة لأن رغائبي معتدلة وما عندي من المال يكفي لأن أعيش مستقلاً وهذه أكبر نعمة في الوجود. ولن أجد ضرورة لحضور الحفلات الراقصة في القصر. ولن أحسد إنساناً ولن يحسدني إنسان، وهذا كله سهل. ولي أصدقاء، سأحتفظ بهم ولم ينشب بيني وبينهم خلاف فلم أعترض أحدهم في قول أو فعل وسيسلكون معي هذا المسلك، ولا صعوبة في ذلك. . .
وهكذا وضع ممنون خطة لفلسفته ثم أطل من النافذة فرأى امرأتين تسيران تحت الأشجار، وكانت إحداهما كبيرة تبدو عليها علائم الرضى، والثانية صغيرة جميلة، ولكن علائم التذمر بادية عليها. وكانت تبكي وتتنهد، فتأثر فيلسوفنا من رؤيتها - على أنه من المحقق أن