يعيش أهل النوبة عيشة بسيطة لا تركيب فيها ولا تعقيد، فحياتهم أشبه ما تكون بحياة أهل الريف، إلا أنها غير دسمة، فليس فيها الطيور المختلفة والحيوانات السمينة، بل الطيور لا تكاد تجد بها غير العظام والريش، والحيوانات عجاف، لا يكاد يشارك العظم والجلد شئ من اللحم!.
وأكثر الأهلين يشتغلون بالزراعة المحدودة المساحة طول العام، والتي يبدأ موسم اتساعها غالباً في شهر مايو من كل عام، إذ تنخفض مياه النيل، فتنكشف الأرض التي غمرتها مياه الخزن، فيزرع الأهلون هذه الضفاف التي كانوا يملكونها قبل التعلية الأخيرة، والتي أعطتهم الحكومة تعويضاً عنها، ولا يكادون يتركون منها شبراً بغير زراعة.
وتجود زراعة الحبوب من القمح والذرة والشعير وبعض الخضر والبقول، إلا أنه تكثر زراعة نبات (الكشر نجيج) وهو نبات يشبه الفاصوليا أو اللوبيا في شجيراته وثماره. ولهذا النبات قيمته الغذائية الكبيرة، لأنهم يأكلون ثماره، ويتخذون أوراقه وسيقانه غذاء أساسياً لدوابهم ومواشيهم، والسعيد منهم من يدخر من هذا النبات كمية كبيرة تكفي مواشيه طوال مدة الشتاء، حين تمحل الأرض وتجدب وتجف الأوراق ولا تكاد تجد في هذه المنطقة على ضفاف النيل خضرة، إذ تغطي مياه الخزن جميع الأرض، ويبدو النخيل غارقاَ في النيل كأنه يحتضر ويستغيث!.
وقد قامت وزارة الأشغال بإنشاء مشروعات للري، فأحيت بهذه المشروعات الآلية آلاف الأفدنة ووزعتها الحكومة على بعض النوبيين الذين رغبوا في شرائها ممن ذهبت ميان الخزن بأراضيهم، وهي تستغل الآن أحسن استغلال، وتكاد تقوم بتموين بلاد النوبة في كثير من الأغذية الضرورية، وبخاصة بلانة، والعلاقي، والدكة، حيث تعطي هذه الأرض أجود المحاصيل. وتمتاز هذه المشروعات بالري الدائم والزراعة طول العام دون ارتباط بارتفاع النيل أو انخفاضه، ولا بانكشاف الأرض أو انغمارها. وقد جذبت هذه المناطق الزراعية شباب النوبة إلى حد ما لكثرة ما تتطلبه من الأيدي العاملة والجهود المتعاونة، ولا