يعز علىَّ ألا أستطيع أن أحدثكم في (مشكلات الفلسفة) في أكثر من هذا المقال؛ قبل أن يفجأنا الامتحان - لتواجهوه مواجهة الأبطال الكماة - فقد أنسانا حديث ابن سينا مر الوقت أن نذكره؛ وما أكثر ما كنت أحب أن أقول في برتراند رسل! حسبكم في تاريخ حياة هذا الفيلسوف العظيم وفي كتاباته ما جاء بمقدمة الترجمة العربية لكتابه الذي بين أيديكم، فلن تظفروا في حياة فيلسوف معاصر بأكثر من هذا القدر، إذ قلما تعرف أقدار الرجال وهم ما يزالون أحياء؛ وإن كان فيلسوفنا ليرى مجده وعظمته حياً. . .
والترجمة التي لديكم لهذا الكتاب سهلة واضحة الأسلوب لا تخلوا من روح المؤلف في كثير من المواضع، فهي حسنة ومؤدية الغرض، ومُغنية عن النص الأصلي إن لم تجدوه؛ فيما عدا الكثير من الأخطاء المطبعية، وبعض السقطات النحوية التي تداركها من جانب القارئ.
والمحاضرات التي جمعها رسل في كتابه باسم (مشكلات الفلسفة) تمثل بدء اتجاهه المنطقي والمذهبي أولى من أن تعرض صورة ناضجة للمذهب في نموه واكتماله. لأنه من أوائل كتبه الفلسفية. ويمكن جمع مشكلاته تحت رؤوس ثلاثة. فالمحاضرات الأربعة الأولى تعالج فلسفة الوجود، والأربعة الأخيرة تتناول مشكلة الحقيقة ومدى ما تصل إليه المعرفة الفلسفية، والفصول الوسطى - وهى القسم الأكبر - تعرض لنظرية المعرفة بمختلف أنواعها. وليست الأقسام محددة المعالم، بل تختلط فيها هذه المباحث وغيرها اختلاطاً يظهرك على روح رسل الفيلسوف الرياضي المنطقي المجدد. ولتناول هذه المشكلات في سرعة وإيجاز:
في الفصل الأول والحقيقة بين معطيات الحسن والشيء ١٥ * ٣٢ الطبيعي الحقيقي الذي هو غير ذاتنا، والذي لا يتوقف وجوده على إدراكنا. وأهم ما في هذا الفصل غير هذا تقرير أن الإدراك للمائدة مثلاً لا يتم بالحواس مباشرة، بل هو استدلال واستنتاج نستخلصهما مما نحس؛ وإلا لم نستطيع أن نتصور وجود المائدة ما لم ندركها، وجوع القطة