كلما أظل الكون عام جديد التفت المسلمون إلى الماضي البعيد يستوحونه العبرة ويتلقون منه الدرس. وكم في صدر الإسلام من عظات، وكم فيه من دروس ينقضي الزمان وهي لا تنفد وإنها لتجود على كل ناظر فيها بما يحفز الهمة ويوقظ الوجدان ويملأ النفس حمية والقلب خشوعاَ. وما أحرى الأقطار العربية عامة أن تتأمل في تاريخها المجيد وخاصة ما حف بحادث الهجرة الكبرى من أذى واضطهاد، ظفر من بعدهما المؤمنون الصابرون، لتستشعر القوة والإقدام وهي تكافح من طغيان المحتلين وكيدهم ما ينفذ معه الصبر وتعيا الحيلة وتكل القوى. ومتى رأوا ما فعلت العقيدة والإخلاص في نفوس أسلافهم، الذين كانوا أضعف منهم اليوم وأفقر وأقل عدداً، مضوا في جهادهم مستعينين بالله، وليس بينهم وبين النصر إلا أن يفعلوا ما فعل الأولون.
سمع دعوة الإسلام فأنشرح لها صدره، وطرب قلبه، ودخل في الدين الحق فأشرب حبه والإخلاص له والاستماتة من أجله، وشمل أهل بيته ما شمله من رحمة الله فاغتبطوا ذكوراً وإناثاً بما ساق إليهم ربهم من خير.
وكان نعيمه من الدنيا أن يرى الرسول أو يجلس معه أو يستمع إليه، وهو يجد في ذلك لذة تغمر وجوده كله فيذهل عن الدنيا وما فيها من متاع ولهو ليغرق في غيبوبة روحية سامية، بحماسة جامحة تثير عاطفة الخير في كل قلب. وكان في سيرته مثلاً كاملاً للمسلم الحق الذي آمن بالله فعبده مجتهداً حق العبادة، وأحب الخلق جميعاً فمنحهم من نفسه الرحمة والخير والحب والإحسان.
ولقد رقق من نفسه ما كان بلغه من سيرة الرسول في مكة، وما تحمل هو وأصحابه من أذى المشركين واضطهادهم في سبيل الله، حين دعاهم إلى الخير فصدوا عنه مستكبرين، وعرض عليهم الإسلام فأسمعوه في دينه وإله ما يكره، ثم زادت وقاحتهم فرجموه وشتموه وأخرجوه وأجاعوه؛ وهو مع أصحابه الأخيار صابر ساكت يدعو لهم وينتظر فرج ربه
وكان أنس بن النضر على عقيدة في الله راسخة وإيمان صليب، ملك عليه الإسلام لبه