للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أحاديث عابرة]

التجديد في الشعر

كما يراه شاعر القطرين خليل بك مطران

في جلسة شاعرة مع شاعر القطرين خليل بك مطران - أحد الأوتار الخمسة في قيثارة الشعر العربي الحديث - كما يقول أستاذنا الزيات، تشقق بنا القول، وتنقل بنا الحديث في شجون من الأدب، فأدى بنا ذلك إلى الحديث عن قديم الشعر وجديده، وإلى الكلام عن الشعراء المجددين والمقلدين. . . وكانت فرصة طيبة أن أسأل الأستاذ الجليل عن علة عدم تقدم الشعر الحديث، وقصوره عن مجاراة الشعر العالمي في باقي اللغات، فأخذ - حفظه الله - يتحدث في بيانه الرائع عن محاولته الأولى وإخوانه من متقدمي شعراء هذا الجيل في هذه السبيل، قال:

ظل الشعر العربي منذ فجر حياته محدود الأغراض، مقيد الأفق، لم تنفسح له ميادين الخيال، ولا مجالات التجديد، بسبب طبيعة البيئة التي نشأ فيها، والأرض التي درج عليها. والغايات التي كان يهدف لها. . .

وكان المبرزون من شعراء العرب ينسجون على منوال من تقدمهم من الجاهلين، ويترسمون خطاهم، ويسيرون على هديهم، فلا يجتاز خيالهم وصف البيئة التي يعيشون فيها، ولا يمتد إلى ما وراء ذلك من آفاق واسعة وأحاسيس إنسانية، اللهم ما كانت تسبق إليه طبيعة الشاعر الفنية بين الحين والحين - على غير قصد وفي غير تعمد - في سياق قصيدة، إذ تجد البيت أو البيتين كأنما ساقهما محض المصادفة، وإلهام الفطرة! وكان أن حدد علماؤهم للقصيد شروطاً لا يتعداها الشاعر ولا يتخطاها. . . فإن هو جاوزها عد مقصراً، وأخذ ذلك عليه. ومن أهم هذه الشروط وحدة القافية، وقد كان ذلك - فيما أرى - أهم عوائق نهضة الشعر، وبخاصة في عصرنا الحديث الذي تنوعت فيه ألوان الحضارة، وتغيرت فيه أهداف الشعر ومقاصده، وأضحت له أغراض غير التي كانت له بالأمس؛ فلم يعد لشعر المناسبات تلك الأهمية التي كانت له، ولا لوصف البيئة التي يعيش فيها الشاعر ولا راحته ولا دياره ما كان لها من روعة وبهاء وقد دفعني ذلك كله منذ بدأت أحاول الشعر إلى أن أنهج به منهجاً آخر يجاري ما نحن فيه من حياة، ويتمشى وتلك الحضارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>