إن كل ما يحوطني الآن مفعم بالهدوء والسلام والعظمة والجلال والابتسام، وحول منزلنا الصغير النائم تحت أشعة الشمس تبدو الجبال زرقاء وبيضاء. وقبالة هذا المنزل توجد البحيرة العظيمة بلونها الفضي، وباريس الآن بعيدة.
نعم باريس بعيدة وكذلك الماضي بعيد، وتلك الساعات القاسية التي احتملتها والتي كنت أتصور أنها ستقضي على حياتي، كل ذلك قد انتهى كما انتهى الماضي البعيد، والحياة الآن ستستأنف متحدة مضيئة. ولقد كان هذا التغيير فجائياً بدرجة لا أكاد أصدقها.
يا عجبا! إن آخر سطر في مذكراتي الماضية كان غاية في اليأس والقنوط، وهو:(لأن أقدم حياتي خير من أن أقدم أمانة زوجي أو صحة ولدي).
ولقد كنت أكتب هذه المذكرة في حجرة الطفل المريض وبجانب سريره، وكانت الحاضنة تقرأ في تلك اللحظة نبأ قدوم الطبيب في الساعة الخامسة، وكنت أنتظر حضوره في جزع شديد، ولو أني كنت عارفة قراره مقدماً، وهو قوله: لا جديد، فلننتظر. وفي الواقع لم يكن هنالك جديد، إذ أن جسم الطفل كان غارقاً في العرق، وهو يئن في سريره في وسط نوم مضطرب. وعند الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم دخل خادم زوجي ولقد كنت أكره لونه الذي هو مزيج من: صفرة وزرقة ورمادية، وعينيه اللتين لا يمكن كشف ما وراءهما، وفمه ذا الشفتين اللتين لا تكادان تريان من كثرة انقباضهما، فسألته قائلة:
- ماذا تريد يا جوزيف؟
- إن سيدي الكونت يسأل سيدتي أصحة سيدي الفيكونت أحسن الآن؟