[توفيق الحكيم]
للدكتور حلمي بهجت بدوي
لشبابنا المثقف شكوى تواضَعَ على صيغتها على اختلاف ألوان ثقافته،
وتلك الشكوى هي نقص الغذاء الفكري في الحياة المصرية. وقد كان
لتبين وجه هذا النقص آثار بغيضة، فهو أولا منتشر في النفس في
مزيج من السأم والتشاؤم، وهو على أي حال باعث في العزيمة خوراً
وفي الهمة فتورا، وهو بعد ذلك (وهنا وجه السوء) دافع إلى المغالاة
في التقدير. إذ كثيرا ما يصيب الصيغة الصحيحة هوى من النفس
فتظل في عرف الناس صادقة على مدى الزمن وإن تساقط بعد ذلك
وجه الصواب فيها. وكان من أثر هذا النقص أن نظر الشباب إلى
الجانب الفكري من الحياة المصرية فتخيله مستنقعا آسنا، فانصرف
عنه أما إلى الحياة المادية وما فيها من لهو وعبث، واما إلى مصدر
ثقافته مستعينا بالكتب والمجلات الأجنبية.
فلم يكن غريباً بعد ذلك انه كلما بدا وميض من النور في حياتنا الفكرية لم يلق الا أعينا مغمضة، وإذا أينع زهر صغير صادف بردا فذبل والتوى.
أزمة الغذاء الفكري شر أذن، انما شر منها روح التشاؤم الذي فشا في هذا الشباب المثقف، وكلمة السر التي جرت على الألسنة في سهولة عجيبة من انه لا سبيل إلى تلمس هذا النوع من الغذاء في الإنتاج المصري والتي تنتهي إلى قتل العناصر السليمة التي قد تنهض لتغذية حياتنا الفكرية.
وإذا أنا ذكرت الإنتاج المصري فاني أرسل هذه الكلمة على معنى خاص. فأنا استبعد الترجمة لأنها ليست الا وسيلة لتغذية من كانت ثقافتهم عربية محضة، او لتهيئة الاتصال بين ثقافتين مختلفتين. وأنا استبعد كذلك النقد لكي استبقي بعد ذلك صورة واحدة , هي الخلق