للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١_الأعلام:]

محمد بك النجاري

للأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف

أخلص الناس للعلم، وأنفعهم له وبه، هم الذين يقبلون عليه استجابة لميولهم الفطرية، وإشباعاً لرغباتهم الفكرية، ويتخذونه مجالا لرياضة الذهن وتثقيف العقل، وباباً للإفادة وتخليد الذكر، في غير ما نظر إلى إدراك مكافأة أو حصول على أجر. . ولقد كان من هؤلاء المغفور له القاضي اللغوي محمد بك النجاري طيب الله ثراه وأكرم مثواه.

نشأ النجاري نشأة بعيدة عن مجال الثقافة اللغوية والأدبية، فقد تربى في المدارس المصرية على عهدها الأول، ثم انتقل إلى مدرسة الحقوق الخديوية كما كانت تسعى في تلك الأيام، فأتم دراسة القانون فيها، وكان من المبرزين بين متخرجيها، فأوفدته الحكومة في بعثة إلى فرنسا عام ١٨٨٢ لإتمام دراسة القانون بها، فبقى هناك خمس سنوات كاملة، إذ عاد سنة ١٨٨٧م فعين مساعد نيابة من الدرجة الأولى، ولقد ظلّ يترقى في مناصب القضاء الأهلي حتى انتهى إلى رئاسة محكمة الزقازيق، ثم نقل إلى القضاء المختلط فعين قاضياً لمحكمة الإسكندرية، ثم لمحكمة مصر، وقد انتقل إلى جوار ربه وهو في هذا المنصب. .

وفي سجلات الحكومة مئات تربوا مثل تربية النجاري في المدارس المصرية، وقدر الله لهم التفوق في نيل الشهادات الدراسية، وبلغوا في المناصب الحكومية أرفع مما بلغ درجات ودرجات، وليس في هذا كله ما يحرك قلم الكاتب أو يثير رغّبة المؤرخ لتدوينه، وما كان النجاري جديراً بالذكر لولا أنه اتخذ لنفسه مجالا آخر، شغل به عقله، ووقف عليه جهده، ومنحه إخلاصه ورغبته، وهو مجال الثقافة اللغوية التي أحبها وعشقها، فبذل نحوها جهداً يحمد. وخلّف فيها أثراً يذكر.

وكان أول ما أبدى في ذلك أن لمس المشقة الكبيرة التي يعانيها القائمون بالترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية وما يجهدهم في الحصول على التعبيرات والمترادفات التي تؤدى المعنى في دقة وتعبر عن الغرض في أمانة، فعكف على تأليف معجم فرنسي عربي جمع فيه من مادة اللغتين ما وسعه الجهد، وقد أخرج هذا المعجم في ستة مجلدات كبيرة، فأدى بذلك للغة خدمة جليلة تشهد بصادق غيرته وبالغ ما بذل من جهد واجتهاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>