للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الملاحة عند العرب]

للأستاذ قدري حافظ طوقان

يهتم الغربيون بالملاحة وينفقون علها الأموال الطائلة لِمَا لها من أثر في الحروب والتجارة وسير العمران. وقد أصبحت مدنية الأمم تقاس إلى حد كبير بدرجة اهتمامها وعنايتها بالشؤون البحرية وبراعتها في بناء الأساطيل. وكان لها - ولا يزال - شأن خطير في مصير الشعوب، وكثيراً ما غيّرت المواقع البحرية مجرى التاريخ واتجاه الحضارة

والأمة العربية - وهي من الأمم التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ وكان لها أكبر نصيب في تقدم المدنية - قد وّجهت بعض جهودها إلى ناحية الملاحة وخلّفت قيها مآثر خالدة اعتمد عليها الأوربيون في ترقية الملاحة والتقدم في صناعة السفن. وقبل البدء في حديثي عن الملاحة لا بد لي من القول إن ناحية الملاحة عند العرب لا تزال غامضة لم تعط حقها من البحث والتنقيب. والذي نرجوه أن يحفز حديثنا هذا الهمم للعناية بالمآثر الإسلامية والآثار العربية في مختلف النواحي التي أدتْ إلى فتوح العرب الواسعة، والتي لا تزال محل دهشة علماء التاريخ

إن في بقض هذه النواحي صفحات لامعة يحق لنا أن نباهي بها أمم الأرض وأن نأخذ منها إلهاماً للاقتداء بالسلف والسير في خطاهم

ومن المؤلم حقاً ألا نجد أحداً من باحثي العرب ومنقبيهم عُني بناحية الملاحة عند العرب وتاريخ إنشاء الأساطيل. وعسى أن تلتفت جامعة فؤاد الأول والكليات الحربية بمصر إلى هذه الناحية، وأن تعمل على إظهار المآثر العربية فيها، وبذلك تكشف عن روح المغامرة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم، وتكون قد مهّدت السبيل لخلق روح الإقدام والشجاعة في أبناء هذا الجيل والأجيال التي تليه

والآن نأتي إلى موضوع الملاحة فنقول:

كان العرب في بدء فتوحاتهم يخافون البحر ويهابونه، وكيف لا يخافونه ويهابونه وهم أهل صحراء منقطعون عنه لم يتعودوا رؤيته فكيف بركوبه. ولم يكن الخلفاء الراشدون يشجعون ركوب البحار لخوفهم على أرواح المسلمين، ويُقال إنه حينما استولى المسلمون على مصر كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يسأله أن يصف له البحر فكتب

<<  <  ج:
ص:  >  >>