نكبت السياسة البريطانية فلسطين على الخصوص، وبلاد العرب على العموم بوعد بلفور في إبان الحرب العالمية الماضية، ولم تحفل بالعهود والمواثيق التي أعطتها للمرحوم الملك حسين. وما كانت ثورة الملك حسين رحمه الله لتحرير الحجاز وحده، ولو أن هذا كان كل ما يبغي، لاكتفى بحصار الحامية التركية في المدينة، ولما كانت به حاجة إلى تسيير جيش كبير بقيادة ابنه الأمير فيصل (الملك فيصل فيما بعد) لم يزل يسير من نصر إلى نصر حتى دخل دمشق.
وقد ظهر من الصور الشمسية للمكاتبات التي تبودلت بين الملك حسين والسير هنري مكماهون المندوب السامي يومئذ في مَصر - وقد وزعتها وزارة الخارجية البريطانية على الوفود العربية في مؤتمر لندن الذي عقد في سنة ١٩٣٨ من أجل فلسطين، أن الملك حسين طالب باستقلال العرب في سورية ولبنان وفلسطين والعراق وشبه جزيرة العرب، وقد أجيب إلى ما طلب، في تحرز كان المراد منه إرضاء مطامع فرنسا في لبنان ليس إلا، أما فلسطين فلم يرد عليها أي تحفظ، ومع ذلك لم تحجم السياسة البريطانية عن وعد بلفور المشهور! ثم جاء الانتداب البريطاني على فلسطين في أعقاب الحرب مباشرة، فأبى الملك حسين كل الإباء أن يعترف به، فكان هذا من أسباب تغيّر القلوب عليه في بريطانيا.
على أن وعد بلفور، على ما فيه من نكث بالعهود، ليس فيه أكثر من إقامة وطن قومي للصهيونية (في) فلسطين. ولم يكن مقصوداً به قط أن يجعل فلسطين كلها وطناً قومياً للصهيونية. وغير أن الصهيونيين الذين حاولوا أن يدركوا غايتهم في العهد العثماني وأخفقوا، أرادوا أن يكون وعد بلفور خطوة أولى في سبيل الغاية التي كان يضمرونها، وهي اجتياح فلسطين والاستئثار بها دون العرب، ولو أن كل ما يبغون هو إنشاء الوطن القومي لقنعوا بما تم لهم من سنوات، فقد أنشئ الوطن القومي، وانتهى الأمر، ولكنهم أبوا أن يقنعوا عند هذا الحد، فجاءوا بالمهاجرين سراً وعلانية، وراحوا يتوسعون في شراء الأراضي ويخرجون منها العرب، فثار العرب ثورتهم المشهورتين حتى كانت سنة ١٩٣٨