فدعت بريطانيا إلى عقد مؤتمر مزدوج - أو مؤتمر على الأصح، واحد بينها وبين ممثلي فلسطين والعراق والدولة السعودية ومصر، وآخر بينها وبين ممثلي الصهيونيين. وعقد المؤتمران في وقت واحد ولكن في مكانين مختلفين. وحاول ممثلو بريطانيا في هذا المؤتمر أن يهتدوا إلى وسيلة للتوفيق بين الفريقين وإيجاد قاعدة للتعاون، فتعذر ذلك، فرأت بريطانيا أن تصدر كتاباً أبيض مبيناً لسياستها، وكان من قواعد هذه السياسة تحديد الهجرة الصهيونية في خمس سنوات، بحيث لا يتجاوز عدد اليهود في فلسطين ثلث السكان جميعاً أي نصف عدد العرب، وأن يخطر بيع الأراضي في مناطق، ويباح في مناطق، ويجوز في مناطق أخرى بإذن من المندوب السامي. ورأى العرب أن في هذا بعض دواعي الاطمئنان فتقبلوا هذه السياسة الوقتية إلى أن يتسنى الفصل في القضية على وجه حاسم. ثم كانت الحرب، فأخلد العرب إلى السكينة حتى تضع أوزارها.
ولكن الصهيونيين لا يسكنون ولا يكفون عن السعي، لأن لهم غاية أبعد من مجرد الوطن القومي الذي فازوا به، وهي أن يستولوا على فلسطين كلها ويخرجوا العرب منها، ويقيموا لأنفسهم فيها دولة. وحتى هذه ليست إلا خطوة ثانية في سبيل غرض أكبر وأعظم، فقد صرح مندوبوهم في المؤتمر الصهيوني الذي عقدوه منذ بضعة شهور في لندن، بأن الشرق الأوسط كله (مجال حيوي لهم) كما كان هتلر يقول إن شرقي أوربة وجنوبها الشرقي (مجال حيوي) للرايخ الثالث.
فالبلاد العربية كلها - لا فلسطين بمجردها - مهددة بالاجتياح والاستعباد والاقتصاد والسياسي إذا نجح الصهيونيون في إقامة دولة لهم. ومن هنا كان إجماع البلاد العربية على الحيلولة دون قيام هذه الدولة، دفاعاً واجباً عن الذات.
ولسنا ندري هل اليهود جميعاً صهيونيون، أو أن الصهيونيين جماعة منهم ليس إلا كما يزعم البعض، وإنما الذي ندريه أن الصهيونيين يملكون كل وسائل الدعاية، وإذا كان هناك يهود غير صهيونيين فإننا لا نكاد نسمع لهم صوتاً، على أن هذا التمييز لا قيمة له، والمهم أن الصهيونية قد استطاعت أن تحمل رئيس جمهورية الولايات المتحدة على مناصرتها، فطلب من بريطانيا أن تأذن في الهجرة لمائة ألف يهودي في ألمانيا، كان أكثر من مائة مليون في أوربة يعانون الفاقة والمرض لا يستحقون مثل هذا العطف. ثم إن المهم أن