للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيف نحافظ على وجودنا الاقتصادي؟]

للأستاذ محمد فريد وجدي

الثروة للأمم (والثروة الاجتماعية تطلق على النقود المسكوكة وكل ما تثمره الأرض وتنتجه اليد العاملة) كالدم الذي يجري في الجسم الحي. ويوزع على كل عضو بل وكل خلية فيه ما يقيم حياتها ويجعلها صالحة لأداء وظيفتها. والطرق التي تجول فيها هذه الثروة لإعطاء كل فرد نصيبه منها تشبه بالشرايين والأوردة من الجسم الحي. وإذا كان لا حياة لجسم بدون دم، فكذلك لا حياة لأمة بدون ثروة. وإذا كانت صحة ذلك الجسم تتطلب دما كافيا حاصلا على جميع مقوماته البيولوجية. فكذلك الثروة الاجتماعية يجب أن تكون كافية لحاجات المجتمع وحاصلة على العناصر التي تتطلبها حياة الاجتماع. وإذا كانت تستتبع قلة مقدار الدم في الجسم الحي وفساد تركيبه أدواء عضالة من الأنيميا والخلوروز وما يجران إليه من العلل المترتبة عليهما، فكذلك عدم كفاية الثروة الاجتماعية تولد لهيئة المجتمع أدواء من الضعف العام ومن الاضطراب في وظائفه يصبح المجتمع معها عرضة لكل ضروب المتالف فيجمد حيث هو، أو يختل توازنه، أو يعتل وجوده، ويصبح لا يغني عن نفسه شيئا. لهذا السبب قام إزاء أطباء الأجسام في كل أدوار الأمم أطباء للاجتماع تولوا تدبير الثروة العامة بضروب شتى من الوسائل. وأطباء الاجتماع اليوم اكثر تبعات مما كانوا عليه في سالف العصور بسبب تعقد المبادلات بين الأمم، ومزاحمة الأسواق بعضها لبعض، وتشابك الصلات المالية بعضها ببعض، أصبح علم الاقتصاد من أوسع العلوم اختصاصا واشدها تركبا. وها نحن أولاء نسمع جؤار الشعوب تحت كلاكل هذه الأزمة العالمية، ونشهد جهاد الاقتصاديين في علاجها بما لم يتفق مثله للبشر في أي عهد من عهودهم، فإذا كنا لا نعتبر بكل هذا فنتوفر على درس هذه الحالة فيما يختص بنا توفرا يناسب أحوالنا الحاضرة فإننا نجني على أنفسنا جناية نحاسب عليها حسابا عسيرا، ونذوق وبال امرنا منها جزاء موفورا. وأول ما يجب أن ندرسه من مسائلنا الخاصة هو أن نعرف هل ثروتنا العامة التي تثمرها أرضنا وأيدي عمالنا تكفينا الحاجة أم لا؟ وهل هذه الثروة تتوزع على جميع أفرادنا أم لا؟ وهل يتسرب منها شيء إلى الخارج، كان يجب أن يبقى لدينا أم لا؟ هذه المسائل الثلاث يجب أن تشغل كل فرد من أفراد مجتمعنا على السواء، ولا يجوز أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>