ليس النقد إلا ميلاً طبيعياً في الإنسان إلى الحكم على ما يحس وما يرى، واختيار الأحسن من ذلك. ونشاط النقد دليل على نشاط الفكر، وهو مصاحب لارتقاء الأدب وانتشار الثقافة في كل أمة؛ بل هو ضروري لتقدم الأدب: يقفه على مواضع إحسانه ويظهره على مواقع تقصيره، ويجلو أمامه غاياته وطرائقه، ويستحثه على دوام الترقي والتزيد. فالأدب صدى الحياة، والنقد صدى لذلك الصدى، يُظهر للأدباء والمتأدبين مدى نجاح الأدب في تأدية رسالة الحياة ومواقع أعمالهم في النفوس.
فالناقذ النزيه خير صديق للأديب: يضع إصبعه على عيوبه فيتلافاها، ويستحسن إجاداته فيزيده ثقة بنفسه وإقبالا على ممارسة أدبه. ولعل أروع أمثلة ذلك ما كان ملازمة كولردج لوردزورث: فقد وجد الأخير في صاحبه - حين أعراض الجمهور عنه وغمْط الجميع حقه - خير عارف بقدره معجب بأدبه، وكان لإعجاب كولردج وتشجيعه أبعد المدى في أدب وردزورث، وكان الشعر الذي كتبه في عهد صداقتهما خير ما كتبه على الإطلاق.
بيد أن الأحقاد الشخصية سريعة إلى نفوس الأدباء والنقاد، والأهواء السياسية والمذهبية كثيرة الوغول على الأدب والنقد. وقد شهد الأدبان العربي والإنجليزي ما لا يحصى من أمثلة النقد المغرض، وقاسى الأدباء حملات الخصوم الشخصيين أو السياسيين باسم الفن والنقد. ومن أمثلة ذلك في العربية حملة الصاحب على المتنبي وأشلاؤه عليه أذنابه. وفي الإنجليزية عانى أعلام الأدب أمثال وردزورث وتنيسون وكيتس حملات الرجعيين والحاسدين، وبلغ الكمد من الأخير حين هاجمهبعض ناقديه فأقذع أن مات محتضراً في عنفوانه.
وقد كتب الكتاب في العربية والإنجليزية وغيرهما من اللغات في النقد كثيراً، وحاول كل من عالجه أن يستخلص من شتى الشواهد المنتزعة من آثار فحول الأدب قواعد عامة للأدب توضح غثه من سمينه وتعين القارئ والناقد على استحسان الحسن واستهجان الهجين مما يكتب الكاتبون، ولكن النقاد لم يتفقوا بعد جهودهم تلك على شيء ذي بال، بل