أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
للأستاذ محمود الخفيف
لم تكن مصر إذاً في حالة تدعو إلى القلق إلا إذا كان الخلاف بين الخديو ووزرائه مشكلة تستدعي حتما تدخل الدول الأوربية لحسمها، إذ لا يتسنى علاجها إلا على هذه الصورة
لم يكن هذا الخلاف الذي نشير إليه سوى الذريعة التي باتت إنجلترا تتحينها لتخطو الخطوة التي كانت سياستها في مصر طوال القرن التاسع عشر متجهة إليها، وكانت إنجلترا قد عولت أن تقطع العقدة إذا لم يتيسر لها حلها، فبقطع تلك العقدة أو حلها تصيب في الواقع غرضين: السيطرة على مصر وهذا قصارى آمالها في الشرق، والتخلص من مشاركة فرنسا لها فيما هي فيه من شؤون مصر وهذا ما كانت مصلحتها تفضي بوجوب الإسراع فيه
والإنجليز قوم نبغوا في أن يأخذوا كل شيء وألا يعطوا شيئاً، وأن يستبطنوا دخيلة كل عدو أو حليف دون أن يكشفوا له عن شيء تنطوي عليه نفوسهم، ولهم في ذلك أساليب يعد نجاحهم في إنفاذها أحد أسباب تفوقهم الكبرى
لذلك تقدم هؤلاء ليلعبوا إحدى لعباتهم السياسية وقد سهلت عليهم سياسة فرسنيه الأمر، فقد رأى هذا أن تبتعد إنجلترا وفرنسا عن التدخل المسلح في شؤون مصر، وفاته أنه إن استطاع أن يوجه سياسة بلاده نحو هذا الهدف فما له حيلة في إنجلترا إن استعصت عليه أو انسحبت منه
وتقدم فرسنيه يعرض على إنجلترا مقترحات لحل المشكلة، فطلب على لسان سفيره أن ترسل الدولتان سفناً من أسطوليهما إلى مياه الإسكندرية وأن تطلب الحكومتان إلى تركيا ألا تتدخل في شؤون مصر في ذلك الوقت، ولكن فرنسا لا تعارض إذا حضرت قوة عثمانية إلى مصر بدعوة من الدولتين على أن يكون عملهما محدوداً وأن تكون تحت مراقبتهما