عرف أبو دلامة بخل المنصور، وانه لن ينال منه العطاء إلا بعد تعب طويل، فكان ينتهز الفرصة في إرضائه إلى ما يعلم انه يستريح إلى سماعه. فهو يعرف مثلا المنصور - بعد قتله أبا مسلم الخرساني - كان يحب من الناس ان يبرروا عمله ويعتبروا أبا مسلم مستحقا لتلك المأساة التي ختمت بها حياته، فلينتهز أبو دلامة هذه الفرصة ولينشد المنصور في محفل من الناس:
أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورْدُ
أبا مسلم ما غير الله نعمةً ... على عبده حتى يغيرها العبد
وانك لتجد في هذين البيتين قوة في السبك تشعرك بان أبا دلامة في القصيدة لم يكن شيئا يستهان به أو يستخف بوزنه. لذلك سر المنصور بهذه القصيدة وقال لأبى دلامة: احتكم، قال: عشرة ألف درهم. فأمر له بها: فلما خلا به قال له مازحاً: ايه! إماوالله لو تعديتها لقتلتك!
بل أعطاه المنصور دارا وكسوة لإعجابه بقصيدة وصف له فيها سوء حاله وقلة ماله وجوع أهله، ومدحه فيها أثنى على بني العباس واسمع إذ شئت هذه القصيدة:
هاتيك والدتي عجوز همةٌ ... مثل البليلة دِرعها في المِشجب
مهزولة اللَحيين من يرها يقلْ ... أبصرتُ غولاً أو خيالَ القُطرب
ما إن تركتُ لها ولا لابن لها ... مالاً يؤمل غير بَكْر اجرب
ودجائجاً خمساً يُرحن إليهمُ ... لما يبضن، وغيرَ عَيْرٍ مغرب
كتبوا إليَ صحيفة مطبوعة ... جعلوا عليها طينة كالعقرب
فعلمت ان الشر عند فكاكها ... ففككتها عن مثل ريح الجورب