للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأخلاق]

بين النجاح والفشل

تعال يا صديقي! جعلتموني مظهراً لثورتكم على الأخلاق فحسب الناس أني ثائر معكم عليها وهي مصدر سعادتي ومنبع رضاي. فلماذا لا تمضي ما تقول باسمك كما يفعل كل رجل له رأي وفيه صراحة؟

فقال صاحبي وقد استوى على المقعد الذي يحبه من المكتب وكفَّاه تدوران على عدد مطوي من الرسالة أظنه الأخير:

إن مقال الثائر المجهول كقبر الجندي المجهول يعبر عن فكرة ويرمز لطائفة. ولو كان ذلك رأيي الخاص لأمضيتُه، ولكنه رأى جميع المنكوبين بأخلاقهم وإخلاصهم اضطرب على لساني حديثاً بعدما اضطرم في نفوسهم ثورة. ولقد كان فيما قلتُ وقال الإخوان تفريج لما كرَب صدورنا من وقاحة الحال وصراحة الواقع؛ غير أن في نفسي بعد أن قرأت هذا العدد كلمة

قلت وماذا تريد أن تقول بعدما أجرَّتْ لسانَك الأخلاقُ بعقلين متيني الحجة من عقول دعاتها وحماتها؟

فقال: (إن الأستاذين الجليلين عزاماً والخولي أطلا علينا من قُدْس الأقداس وكلمانا بلغة الدين الذي يتجاهل الكفر، ولهجة الحق الذي يتناسى الباطل. وقدس الأقداس كما تعلم مكان بين النجوم ينزله الأحبار والفلاسفة فينظرون إلى السماء أكثر مما ينظرون إلى الأرض، ويتصلون بالملائكة أكثر مما يتصلون بالناس، ويدبرون أمر هذا الكوكب المظلم على أنه مَرَاد الصلاح الخالص والخير المحض، فلا يريدون أن يقيموا وزناً للمنكر، ولا أن يلقوا بالاً إلى الشر، حتى أنهم ليغفلون ذكر الفواحش في كتب الدراسة ليجهلها الناشئ، كأنما جهلك الشيء يمحوه من الوجود! والشر منذ معصية آدم وجريمة قابيل قسيمُ الخير في الأرض. والرذيلة هي الطبيعة الحرة لهذه الحياة، أما الفضيلة فهي قيد لها وحدٌّ منها

لا أريد أن أقول لعلماء الأخلاق زاوِجوا بين الخير والشر ينتج منهما مزاج مستقل لا هو الخير كله، ولا هو الشر كله، فتلك تجربة نعوذ بالله من غوائلها إذا طاشت؛ ولكني أطلب إليهم أن يعالجوا مشكلة الفضائل على أساس التسليم بأن للرذائل جاذبية ومنفعة، وأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>