تثير نظم الدولة والحكم اليوم كثيراً من الاهتمام، ويتساءل الساسة والمفكرون في مختلف أنحاء العالم، أيكون المستقبل للديموقراطية أم يكون لتلك النظم الجديدة الطاغية التي تستتر وراء فكرة الدولة وتقضي على كل الحريات الدستورية؟ وقد صدر أخيراً بالفرنسية في هذا الموضوع كتاب جليل الشان عنوانه:(الفوضى أو السيادة المطلقة، أزمة الديموقراطية، وحلها) بقلم السنيور دي مدارياجا سفير إسبانيا في باريس ومندوبها لدى عصبة الأمم، وهي خلاصة المحاضرات التي ألقاها في معهد الدراسات الخاصة بالثورة الفرنسية بجامعة السوربون منذ سنة ١٨٣٣
والسنيور مدارياجا من أعظم ساسة أوربا المعاصرين، ومن أعظم الكتاب الدوليين، وهو ديموقراطي بالفطرة لا يدخر وسعاً في الذود عن الديموقراطية بقلمه ولسانه، وهو يقول لنا في كتابه أنه لما رأى القوى الخصيمة تثب وتناوئ الحريات الديموقراطية، ورأى الحرية نفسها تضعف وتتضاءل، رأى أن يبحث ما إذا كان من المستطاع أن ننظم ديموقراطية الغد وننقذها
ويرى السنيور مدارياجا أن فهم الحرية قد تطور جداً عما كان عليه أيام روسو ومونتسكيو، وأن الحرية قد غدت بالنسبة لبعض الأفراد عبئاً لا يراد حمله، وان المساواة غدت في نضال مستمر مع أنواع الإيثار التي تقوم على النظام الطبيعي، وأن الديموقراطية القائمة على سيادة الشعب غدت من التعقيد بحيث تخرج عن طاقة الفرد وسلطانه
ويقول لنا إن عوامل التأثير والتعقيد في الديموقراطية المعاصرة ترجع إلى الرأسمالية التي أصبحت كابوساً على العمل، والمالية التي تسخر كل القوى لصالحها؛ وقد غدت القوى المنتجة في الأمة معتركا من النضال المستمر؛ وأضحت الفكرة القومية في نضال مستمر مع النزعة الدولية، بيد أن ذلك كله لا يعني أنه يجب على الأمم أن تترك قوى الحرية السياسية التي تغذيها المبادئ الديموقراطية، بل يجب عليها بالعكس أن تحاول تنظيم هذه القوى بأسلوب جديد
ويحاول السنيور مدارياجا أن يعالج هذه الأسس التي يجب أن تقوم عليها ديموقراطية الغد،