في ديوان (أعاصير مغرب) الذي صدر حديثاً للشاعر الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد موضع لبعض الدهشة، فقد وجدنا فيه الشاعر الذي نعرف، ولكننا لم نجد فيه العاشق الذي نعهد. فإن من الصعب أن يقال إن الأستاذ العقاد الذي كان يقول في دواونيه الأولى - عندما يلمس خداع العشيقة أو بشك في ذلك: -
جمالك سم في الضلوع وحسرة ... ترد مهاد الصفو غير ممهد
إذا لم يكن بد من الكأس والطلا ... ففي غير بيت كان بالأمس مسجدي
والذي كان يقول:
ما كنت يوماً بالأنام موكلاً ... فأعد منهم من يضل ويرشد
ولو كنت نوحاً لم تفدك سفينتي ... إن ابن نوح كان فيمن ألحدوا
هو نفسه الذي يقول في ديوانه الجديد:
أعفيك من حلية الوفاء ... إنك أحلى من الوفاء
خوني فما أسهل التقصي ... عندي وما أسهل الجزاء
وليس بالسهل في حسابي ... فقدك يا زينة النساء
وقد حاول بعض الكتاب أن يرد هذا الاختلاف إلى أساسه، فقال الأستاذ كامل الشناوي في الأهرام:(إن العقاد الشاعر كان ينظم وعين العقاد الكاتب الفيلسوف ترمقه وترعاه)
ولكني أرى أن الأستاذ الشناوي قد أخطأ المحز وكان الأولى به أن يقول إن عاطفة الأبوة كانت ترمق العقاد وترعاه، بل كانت تسيطر عليه وتملي نفسها على شعره إملاء
فقد بلغ الأستاذ العقاد سن الخمسين وهي السن التي تهدأ فيها فورات العشق وتبدأ النفس تستعرض مواكب الذكرى وتحن إلى حياة الوادعة وإلى حنان الأسرة. ويكون هذا الشعور - أقوى ما يكون - في النفس المصرية التي انغرس فيها من قديم معنى الأسرة وتعلقت بها
وقد يصادف الإنسان في هذه السن عشيقة يجد في سنها أو حركاتها أو سماتها ما يوقظ فيه من جديد عاطفة الأبوة، فيختلط الحب الجنسي وهو أثرة مستترة، بالحب الأبوي وهو إيثار