للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مناهضة أزياء النساء قديماً

للأستاذ كوركيس عواد

بلغت النساء في عصرنا مبلغاً عظيماً من التفنن في ضروب الملبس وابتكار صنوفه. فأضحينا نرى أو نقرأ بين الفينة والأخرى عن زي جديد يشيع بين طبقات منهن، ثم لا يلبث أن ينقلب أمره فيصبح قديماً مستهجناً في أنظارهن، فيهمل استعماله ويعدل عنه إلى غيره

ومثل هذا التقلب بين الأزياء لا يمكننا عده بدعة جديدة أو أمراً مستحدثاً؛ فإن من يتصفح الأسفار القديمة، لا يعتم أن تستوقفه أخبار من هذا القبيل. وما يلفت الأنظار إليه بوجه خاص، ما كانت تلقاه بعض الأزياء من معارضة واستنكار ممن كانت بأيديهم مقاليد الحكم والتدبير. وقد وجدنا أحد المؤلفين الأقدمين، وهو ابن الأخوة القرشي الشافعي، المتوفى سنة ٧٢٩ للهجرة (١٣٢٨م) ينعى على نساء عصره ما انتهين إليه من سوء الحال في الأزياء المتكلف فيها والتصنع الممقوت في المظهر، كما يبدو من عبارته التالية:

(والنساء في هذا المقام أشد تهالكا من الرجال، ولهن محدثات من المنكر أحدثها كثرة الإرفاه والإتراف، وأهمل إنكارها حتى سرت في الأوساط والأطراف. فقد أحدثن الآن من الملابس ما لا يخطر للشيطان في حساب، وتلك لباس الشهرة التي لا يستتر منها اسبال مرط ولا أدنى جلباب. ومن جملتها أنهن يعتصبن عصائب كأمثلة الأسنمة، ويخرجن من جهارة أشكالها في الصورة المعلمة)

وكانت بعض أزياء النساء قد أصابت مقاومة عنيفة، لما كانت تنطوي عليه من غرابة وتبذل، فعمد أكابر القوم إلى إبطالها بما وسعته طاقتهم وأسعفهم سلطانهم. ومن الشواهد على ذلك ما رواه ابن إياس في حوادث سنة ٧٥١ هـ (١٣٥٠ م) من أن السلطان الملك الناصر أبا المحاسن حسن بن الملك الناصر محمد بن المملوك المنصور قلاوون (أبطل ما أحدثه النساء من القمصان التي خرجت في كبر أكمامها عن الحد، وأبطل ما أخرجوه من الأزر الحرير والأخفاف الزركش؛ فأشهروا المناداة في القاهرة بإبطال ذلك، فرجعت النساء عن ذلك)

ونظير ذلك ما حكاه ابن كثير في أحداث سنة ٧٦٢ هـ (١٣٦٠م) أن (في العشر الأوسط

<<  <  ج:
ص:  >  >>