يحس الإنسان حيثما توجه في هذا العالم قلقاً واضطراباً وسخطاً، ويسمع أينما حل ضوضاء وصخباً وجدالاً. كأن قلق النفوس واضطرابها، أو هذه الضوضاء النفسية التي تدوي في كل فكر وكل قلب - صدى الضوضاء الحسية المستمرة المسلطة على الخلق في هذا العالم، من سياراته وقطاراته وطائراته ومجاهره ومذياعاته؛ أو كأن هذه الضوضاء الحسيه التي لا يجد الناس منها مفراً ولا عنها حولاً، صدى لتلك الضوضاء النفسية. لا جرم أن هذه الضوضاء متصلة بتلك، فالعالم في ضوضاء نفسية وحسية، وفي صخب ظاهر ومضمر، وعيشة الإنسان بين الضوضاء ين شقاء، وجهاده للخلاص منهما عناء.
كل طائفة لها مذهب، وكل إنسان له رأي، وإلى المذاهب والآراء، مآرب وأهواء، لبس فيها الحق بالباطل، والصدق بالكذب.
وقد طويت المسافات، ورفعت الحجب، فصار الإنسان في بقعة من العالم يقرأ ويسمع ما في أقصى البقاع كأنه يعيش فيها، ويقيم بين أهليها. فاجتمعت على الإنسان ضوضاء العالم كله، ونزاعه، وفتنه.
والمسائل الكبرى التي كانت شغل الفلاسفة والعلماء في العصور السالفة وضعت في هذا العصر، بهذه الوسائل، وسائل النشر والإذاعة، أمام كل قارئ، بل كل أمي، فشارك الجهلة العلماء، واستوت الأئمة والدهماء. كل يسمع أو يقرأ ويفكر ويقول. فما ظنك - مع هذا كله - بما تموج به الجماعات من مذاهب وأراء، وأقوال وأفعال؟
كل طائفة وكل فرد يعلن بما فكر وما قدر، وكل قارئ أو سامع يردد ما قرأ أو سمع، وتدعي كل طائفة وكل فرد أن له الحرية كاملة مطلقة في أن يعلن برأيه، وينشره على الناس بشتى الوسائل، ويدافع عنه بكل الطرائق.
فإن أعوزته الحجة، وخذله البرهان، ولم يجد لمذهبه في العقول قبولا، ولا لرأيه في